Domenico Scarlatti (1685-1757م)، وقد ألف الأول أكثر من مائة أوبرا حرص فيها كلها على إظهار جمال اللحن وفن الغناء. وكانت الفلسفة الموسيقية لسكارلاتي الأب والابن مضادة تماما لفلسفة جماعة الكاميراتا في فلورنسا، وهي الجماعة التي ابتدع أفرادها في نهاية القرن السادس عشر دراما موسيقية كانوا يظنون أنها تقتدي بالأسلوب اليوناني؛ إذ إنهم أخضعوا الموسيقى للنص الكلامي، حتى تكون الكلمة المنطوقة واضحة دون لبس، وتجنبوا الأساليب البوليفونية المعقدة الشائعة في أيامهم، حتى تكون أوبراتهم - على ما يعتقدون - متمشية مع الروح اليونانية الحقيقية. وفي أوائل القرن السابع عشر تخلى مونتيفردي عن الأفكار الجمالية المتزمتة لدى جماعة الكاميراتا، بإعطائه للموسيقى دورا أهم، وزيادة قوة الحركة الدرامية. أما ألساندرو سكارلاتي، فكان أكثر اهتماما بالموسيقى منه بالنص الكلامي أو الحركة الدرامية. وكانت أوبراته، التي تحولت في القرن التالي إلى «الأوبرا الجادة»
Opera Seria
تتألف من مؤامرات أسطورية، ومن نصوص كلامية سطحية، وعدة فواصل غنائية غير مترابطة يغنيها خصيان بارعون، وهي كلها أمور يطرب لها الإيطاليون. ويمكن القول إن كل موسيقي أجنبي وفد إلى نابولي قد حمل معه عند مغادرتها شيئا من تأثير سكارلاتي؛ بحيث إن أوبرات سكارلاتي كانت أنموذجا للموسيقيين الأوروبيين في القرن الثامن عشر.
وقد حقق جوفاني برجوليزي
Giovanni Pergolesi (1710-1736م) ل «الأوبرا الهازلة»
Opera Buffa
نفس ما حققه سكارلاتي للأوبرا الجادة. وهكذا تطور هذان النوعان من الأوبرا في وقت واحد. ولم يقف الطابع شبه الشعبي والحوار المضحك للأوبرا الهزلية عند حد التسلية الخاصة، بل لقد أصبح أداة فعالة للسخرية والهجاء عن طريق الموسيقى.
القسم الثالث: الموسيقى في فرنسا وإنجلترا وألمانيا
كانت الروح المسيطرة على الموسيقى الفرنسية في القرن السابع عشر تشبه إلى حد بعيد روح جماعة الكاميراتا الفلورنسية في القرن السابق ؛ فقد كان الشعراء والموسيقيون يحاولون إحياء الدراما اليونانية، وكانوا يتفلسفون حول التمييزات الدقيقة الكفيلة بتحقيق توازن سليم بين الموسيقى والنص. وأدخلوا الرقص بوصفه العنصر الثالث في المسرح، آملين بذلك أن يبعثوا من جديد الجو الحقيقي للعصر اليوناني القديم. وقد شارك موليير (1622-1673م)، الذي سخر من الحياة الاجتماعية في أيامه، في تلك الروح الجمالية السائدة في عصره، فأدخل عنصرا موسيقيا جديدا في كوميدياته، وذلك بتوحيد المسرحية الهزلية بالموسيقى، ثم إضافة الرقص إليها.
وكان جان بابتيست لولي
صفحة غير معروفة