هذا وكتب ابن تيمية متداولة بين خاصة العلماء الدينيين منذ أزمان لم تقو على الصد عنها هجمات الخصوم، وقد طبع منها عدد غير قليل في مصر وفي غير مصر، ولا يزال ما لم يطبع منها كثيرا. ويقول تلميذه الذهبي: «إنه كان يكتب في اليوم والليلة من التفسير ومن الفقه أو من الأصلين أو من الرد على الفلاسفة الأوائل نحوا من أربعة كراريس أو أزيد، وما يبعد أن تصانيفه تبلغ خمسمائة مجلد.»
وإذا كانت آراء ابن تيمية في التفسير والفقه قد أصبحت موضع الدرس والتقدير بين المشتغلين بالتفسير والتشريع في عصرنا، حتى اقتبس تشريعنا الإسلامي الحديث بعض ما سجن من أجله ابن تيمية وعذب في الأيام الخالية، فإنا نرجو أن تتوجه همم المشتغلين بالفلسفة وعلوم الكلام والتصوف إلى درس آراء ابن تيمية في الفلسفة والكلام والتصوف.
وهذه الدراسة نافعة في توضيح آراء كلامية وصوفية وفلسفية، كشف ابن تيمية غموضها بفكره النفاذ، وردها إلى أصولها وأحسن بيانها بقوله الواضح المبسوط.
ولابن تيمية في ثنايا رده على الفلاسفة والمتكلمين والصوفية نظرات فلسفية طريفة قد تفتح لدراساتنا الفلسفية الناشئة آفاقا جديدة.
هذا، وقد ذكر بعض من ترجموا لابن تيمية أن له كتابا في الرد على المنطق، وفي كتاب كشف الظنون: «نصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان لابن تيمية.»
وليس في المكاتب المعروفة نسخ من هذا الكتاب؛ غير أن الأستاذ الميمني الهندي خبرني أن لديهم في الهند نسخة هي الوحيدة فيما يظن، وأنهم يزمعون نشرها.
وقد وجدت في مكتبة الأزهر مجموعة رسائل لجلال الدين السيوطي، فيها ما يدل على أنها بخط المؤلف، ومن بينها رسالة اسمها «كتاب صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام» وأورد المصنف عقب هذا الكتاب متصلا به كتابا آخر له سماه «كتاب جهد القريحة في تجريد النصيحة» ويقول في مقدمته:
وبعد فما زال الناس قديما وحديثا يعيبون فن المنطق ويذمونه، ويؤلفون الكتب في ذمه، وإبطال قواعده ونقضها وبيان فسادها، وآخر من صنف في ذلك شيخ الإسلام أحد المجتهدين تقي الدين بن تيمية، فله في ذلك كتابان: أحدهما صغير ولم أقف عليه؛ والآخر مجلد من عشرين كراسا سماه: «نصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان»، وقد أردت تلخيص فوائده في كراريس قليلة تقريبا على الطلاب وتسهيلا على أولي الألباب، فشرعت في ذلك وسميته «جهد القريحة في تجريد النصيحة» والله الهادي للصواب.
وقال السيوطي في آخر الكتاب:
هذا آخر ما لخصته من كتاب ابن تيمية، وقد أوردت عبارته بلفظه من غير تصرف في الغالب، وحذفت من كتابه الكثير، فإنه في عشرين كراسا، ولم أحذف من المهم شيئا، إنما حذفت ما لا تعلق له بالمقصود، مما ذكر استطرادا أو ردا على مسائل من الإلهيات أو نحوها أو مكررا أو نقضا لعبارات بعض المناطقة، وليس راجعا لقاعدة كلية في الفن أو نحو ذلك، وإذا طالع كل أحد كتابي هذا المختصر استفاد منه المقصود أكثر مما يدركه من الأصل؛ فإنه وعر صعب المأخذ ولله الحمد والمنة.
صفحة غير معروفة