14
وإذا لاحظنا ما تنبه له كارا دو فو من صلة التشابه بين بعض ما أورده الفارابي في كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة وبين مذاهب نيتشه في العصور الحديثة، ثم لاحظنا ما تنبه له الأستاذ عباس العقاد من صلة التشابه بين آراء المتنبي وآراء نيتشه، تبين من ذلك ما يؤيد ما نذهب إليه من أثر الفارابي وفلسفته في المتنبي وشعره.
وما أريد إلا أن أوجه الأنظار إلى البحث في الصلة بين فلسفة الفارابي وفلسفة المتنبي، ويبدو لي بادئ الرأي أن المتنبي في مذاهبه الفلسفية متأثر بنزعات القرامطة في اعتبار الغلبة والسيادة مطمح الحياة، وفي طبيعة المتنبي استعداد لقبول هذه المبادئ، وقد استطاعت فلسفة الفارابي أن تؤثر في تفكير المتنبي وفي مذاهبه الخلقية؛ ولكنها لم تستطع أن تنزع من نفسه حب الغلبة وحب المال الذي يراهما الفارابي من دأب أهل الجاهلية، حيث يقول في كتاب السياسات المدنية بصدد الغلبة: «وههنا شيء آخر محبوب جدا عند كثير من أهل الجاهلية وهو الغلبة، فإن الفائز بها عند كثير منهم مغبوط...»؛
15
ويقول في نفس الكتاب بصدد المال: «ومدينة النذالة واجتماع أهل النذالة هو الذي يتعاون على نيل الثروة واليسار ... وأفضل هؤلاء عندهم أيسرهم، وأجودهم احتيالا في بلوغ اليسار ...»
16
وجملة القول أن المتنبي سليل الفارابي في فسلفته.
ولئن كان أبو نصر غير متبرم بالحياة ولا سيئ الظن بالبشر، فقد كانت تجد له في ساعات الوحدة والعزلة والغربة نزوات من الضجر يفيض بها لسانه فيقول:
لما رأيت الزمان نكسا
وليس في الصحبة انتفاع
صفحة غير معروفة