عن الكندي عند ذكر تصانيفه: «أنه كان مع تبحره في العلم يأتي بما يصنفه مقصرا: فيذكر مرة حججا غير قطعية، ويأتي مرة بأقاويل خطابية وأقاويل شعرية، وأهمل صناعة التحليل التي لا تحرر قواعد المنطق إلا بها: وإن يكن جهلها فهو نقص عظيم، وإن يكن ضن بها فليس ذلك من شيم العلماء، وأما صناعة التركيب التي قصدها في تواليفه فلا ينتفع بها إلا المنتهي الذي هو في غنى عنها بتبحره في هذا النوع.»
قال ابن أبي أصيبعة في «طبقات الأطباء»:
69 «أقول هذا الذي قاله القاضي صاعد عن الكندي فيه تحامل كثير عليه، وليس ذلك مما يحط من علم الكندي، ولا مما يصد الناس عن النظر في كتبه والانتفاع بها.»
ورأى «ابن أبي أصيبعة» في الكندي وتآليفه يبينه بقوله: «وترجم من كتب الفلسفة الكثير، وأوضح منها المشكل ولخص المستصعب، وبسط العويص». ويقول القفطي في الكندي مثل ذلك.
ولسنا ندري كيف يقولون: إن الكندي أهمل صناعة التحليل في المنطق؟ مع أنا نجد في أسماء كتبه تفسيرات وشروحا على «أنولوطيقا الأولى» تحليل القياس، وعلى «أنولوطيقا الثانية» البرهان، ولم يترك الكندي قسما من أقسام المنطق لم يعرض له بالشرح والبيان وبالاختصار أحيانا، فلعل تلك الكتب لم يتصل بالقاضي «صاعد» علمها، فكتب ما كتب، ويؤيد ذلك أن «صاعدا» ذكر أن عدد كتب الكندي نحو خمسين، على حين يبلغ بها غيره 150، بل قيل : هي 265 كتابا.
والكندي صاحب مؤلفات في «الجغرافيا» فقدت فيما ضاع من كتبه؛ لكنها كانت مرجعا لمن جاء بعده من المؤلفين، وكانت تظهر آثار اطلاعه الواسع وفكره العميق، ونجد في كتب المسعودي نماذج منها. •••
فيما أسلفنا دليل على إحاطة الكندي بكل أنواع المعارف التي كانت لعهده على اختلافها إحاطة تدل على سعة مداركه وقوة عقله، وعظم جهوده، وقد ألف في كل تلك العلوم كتبا ورسائل يشهد ما عرف منها وما تنوقل من مقتطفاتها بما للكندي من استقلال في البحث ونظر ممتاز.
وإذا كنا لا نعرف للكندي مصنفات في العلوم الدينية، فإن في بعض مؤلفاته آثارا من معرفته بعلوم الدين، بل هو قد عالج مسائل علم الكلام وكتب فيها.
أما شأنه في الفلسفة فهو أهم شئونه ومظهر عبقريته، ومناط الخلود لاسمه في ثنايا التاريخ.
والكندي يقول عن الفلسفة فيما روى عنه ابن نباتة المصري:
صفحة غير معروفة