و
S ؟ البطل المجهول في العلم؛ إنه «التشويش». إن التشويش هو المادة اللاصقة التي تربط بين التجريبيين والنظريين في تلك الحالات التي يلتقون فيها، ويمثل التشويش أيضا الشحم الذي يجعل النظريات تنساب في سلاسة فوق الحقائق المزعجة.
في الوضع المثالي الذي نعرف فيه النموذج الرياضي الذي يولد الملاحظات، ونعرف أيضا «نموذج تشويش» لأي شيء ولد أي نوع من التشويش، فنحن إذن بصدد «سيناريو نموذج مثالي». من المفيد أن نفرق بين نسخة قوية من سيناريو النموذج المثالي نعرف فيها قيم المعلمات تحديدا، ونسخة بسيطة لا نعرف فيها إلا الصيغ الرياضية، ويتوجب علينا حساب قيم المعلمات من خلال الملاحظات. ما دمنا نسير وفق أي من سيناريوهي النموذج المثالي، يحدد التشويش من خلال المسافة بين
X
و
S ، ومن المنطقي الإشارة إلى التشويش باعتباره سببا في عدم يقيننا في الحالة، بما أننا نعرف بوجود حالة حقيقية حتى إذا كنا لا نعرف قيمتها. لا تستمر كثير من تفاصيل هذه الصورة في الظهور عندما نبرح سيناريو النموذج المثالي. حتى في داخل سيناريو النموذج المثالي، يلعب التشويش دورا بارزا جديدا بمجرد إقرارنا بأن العالم لا خطي.
ماذا عن مفاهيم الحتمية، والعشوائية، أو حتى الدورية؟ تشير هذه المفاهيم إلى خواص نماذجنا، ويمكننا تطبيقها في العالم الحقيقي فقط من خلال أفضل النماذج (الحالية). هل ثمة نظم ديناميكية فيزيائية عشوائية حقا؟ على الرغم من الاستخدام اليومي لقذف العملات وقطع النرد باعتبارها مصادر «عشوائية»، فالإجابة التقليدية في الفيزياء الكلاسيكية هي لا؛ فلا توجد عشوائية على الإطلاق. في ضوء مجموعة كاملة من القوانين ربما (وربما لا) يكون من الصعب جدا بالنسبة إلينا حساب نتائج مرات قذف العملات، وقطع النرد، وتدوير عجلة الروليت، بيد أن هذا يمثل مشكلة فقط من الناحية العملية، وليس من حيث المبدأ، ولم يكن شيطان لابلاس ليواجه أي صعوبة في إجراء توقعات مثل هذه. في المقابل، تختلف ميكانيكا الكم؛ ففي إطار نظرية ميكانيكيا الكم التقليدية، يعتبر عمر النصف لذرة يورانيوم كمية طبيعية وحقيقية مثل كتلة ذرة اليورانيوم. ولا يهم هنا حقيقة أن مرات قذف العملة أو تدوير عجلة الروليت الكلاسيكية لم تتم نمذجتها على النحو الأفضل عشوائيا، في ضوء ادعاءات ميكانيكا الكم المؤيدة للعشوائية والاحتمالات الموضوعية. تتطلب الادعاءات مع - أو ضد - وجود احتمالات موضوعية تفسير النظم الفيزيائية في إطار نماذجنا الخاصة بتلك النظم، وهذه هي الحال دوما. ربما تدحض نظرية مستقبلية ما هذه العشوائية لصالح الحتمية، بيد أننا لن نكون موجودين إلا لفترة صغيرة متضائلة. من قبيل الاحتراز النسبي ينبغي علينا القول بأن بعض أفضل نماذجنا للواقع ستظل تتضمن عناصر عشوائية حتى كتابة هذه الكلمات.
الملاحظات والتشويش
خلال العقود القليلة الأخيرة، كتب عدد هائل من الأوراق البحثية العلمية حول استخدام سلسلة زمنية للتمييز بين النظم الحتمية والنظم التصادفية، وقد بدأ هذا السيل من البحوث في مجال الفيزياء، ثم انتشر في مجالات الجيوفيزياء، والاقتصاد، والطب، وعلم الاجتماع، وما هو أكثر من ذلك. استلهمت معظم هذه الأوراق البحثية من نظرية رائعة أثبتها عالم رياضيات هولندي يدعى فلوريس تاكنس في عام 1983، والتي سنعود إليها في الفصل الثامن. لماذا كتبت كل هذه الأوراق، مع العلم أننا لدينا قاعدة بسيطة لتحديد ما إذا كان أي نظام رياضي حتميا أو تصادفيا؟ لماذا لا نكتفي بالرجوع إلى قواعد النظام ونرى ما إذا كان النظام يتطلب مولد أرقام عشوائية أم لا؟ كثيرا ما يحدث خلط بين الألعاب التي يمارسها علماء الرياضيات والقيود المفروضة على عمل علماء الطبيعة (وغيرهم).
يحب علماء الرياضيات الحقيقيون ممارسة الألعاب العقلية، مثل التظاهر بنسيان القواعد ثم تخمين إن كان النظام حتميا أو تصادفيا من خلال النظر إلى السلاسل الزمنية لحالات النظام فقط. فهل يستطيعون تحديد أي نظام حتمي بوضوح في ضوء سلسلة زمنية تمتد من ماض سحيق لا نهائي إلى مستقبل بعيد لا نهائي؟ نتيجة للنقاط الثابتة وحتى الحلقات الدورية، لا تشكل هذه اللعبة تحديا بما يكفي، وحتى نجعلها أكثر تشويقا، دعنا نعتبر أن ثمة تغييرا لا نعرف فيه الحالات على وجه التحديد، لكننا لدينا إمكانية الوصول إلى ملاحظات مشوشة
صفحة غير معروفة