164

الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية الموضحة للكلم القرآنية والحكم الفرقانية

الناشر

دار ركابي للنشر - الغورية

الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٩ هـ - ١٩٩٩ م

مكان النشر

مصر

محمد رسول الله السّلام عليكم يا اصحاب رسول الله مرحبا بكم وبقدومكم فقتله اسامة وساق غنمه فنزلت
ثم قال سبحانه لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ عن الحرب مِنَ الْمُؤْمِنِينَ حال كونهم غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ من الهرم والمرض والزمانة وغيرها وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ابتغاء لوجه الله وطلبا لمرضاته بل قد فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً بل درجات عظيمة وفاء لحق ما اجتهدوا في سبيله وَان كُلًّا منهم ممن قد وَعَدَ اللَّهُ لهم المثوبة الْحُسْنى والمرتبة العظمى والدرجة العليا وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ زيادة عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا هو الفوز بمرتبة الشهادة
وقد فضل الله لهم في تلك المرتبة دَرَجاتٍ مِنْهُ بعضها قريب وبعضها اقرب الى ما شاء الله وَمَغْفِرَةً لذنوبهم بالمرة كيوم الولادة وَرَحْمَةً خاصة لهم بان يكونوا احياء عند ربهم وفي كنف جواره يرزقون فرحين بما أتاهم الله من فضله وَكانَ اللَّهُ المراقب لأحوال عباده غَفُورًا لذنوبهم رَحِيمًا لهم يرحمهم حسب فضله وطوله.
ثم قال سبحانه إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ وهم الذين بقوا في مكة ولم يهاجروا مع رسول الله ولا بعده فاستذلهم العدو وأخرجوهم الى قتال رسول الله يوم بدر فقتلهم الملائكة حين امدادهم لرسول الله ﷺ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ بتوطينها بين العدو مع القدرة على الهجرة مع انه حينئذ لا يقبل منهم الايمان بلا هجرة ثم نسخ بعد الفتح لذلك قال عليه الإسلام لا هجرة بعد الفتح قالُوا اى الملائكة لهم حين أظهروا الايمان بمحمد ﵇ يوم بدر فِيمَ كُنْتُمْ في اى امر وشأن من دينكم مع كونكم بين اعداء الله واعداء رسوله قالُوا في جوابهم معتذرين قد كُنَّا يومئذ مُسْتَضْعَفِينَ محبوسين فِي الْأَرْضِ اى ارض العدو حتى استذلونا وأخرجونا الى قتال رسول الله قالُوا اى الملائكة موبخين لهم مقرعين عليهم تبكيتا وإلزاما أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها مع كونكم غير ملجئين على القعود وبالجملة فَأُولئِكَ البعداء المداهنون مع الأعداء المظاهرون لهم مَأْواهُمْ ومثواهم جَهَنَّمُ البعد عن جوار الله وسعة رحمته وَساءَتْ جهنم مَصِيرًا مآبا ومنقلبا لهم
إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ الذين قد استضعفهم المرض او الهرم او عدم المكنة وَالنِّساءِ لأنهن لسن مكلفات بالهجرة الا مع أزواجهن وَالْوِلْدانِ وهم ليسوا من اهل التكليف وبالجملة المستضعفون هم الذين لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً اى لا يقدرون على احداث حيلة تنجيهم عن أعدائهم وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا يوصلهم الى أوليائهم حتى يهاجروا
فَأُولئِكَ المضطرون في امر الهجرة المستضعفون في يد العدو عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ اى يمحو عن صحائف أعمالهم زلاتهم الاضطرارية ويغفر ذنوبهم كسائر المؤمنين ان كانوا مخلصين في الايمان وَكانَ اللَّهُ المطلع بسرائر عباده ونياتهم عَفُوًّا لمن أخلص غَفُورًا لمن تاب ورجع
وَمَنْ يُهاجِرْ عن بقعة الإمكان التي هي ارض الطبيعة سالكا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الذي هو صراط الله الأقوم الموصل الى الفناء فيه سبحانه متوجها الى الفوز ببقائه الأزلي السرمدي يَجِدْ فِي الْأَرْضِ اى ارض الطبيعة مُراغَمًا كَثِيرًا اى بوادي واودية من اللذات الوهمية قد كثر وقوعه فيها الى ان ينجو وَيجد ايضا سَعَةً اى مخرجا من تلك المضايق حسب إخلاصه في سلوكه الى ان يفوز بمطلوبه وَبالجملة مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ اى عن بلد بنيته وديار هويته الباطلة في نفسها

1 / 165