6

فتوى شيخ الإسلام في حكم من بدل شرائع الإسلام

سقوط بغداد في أيدي التتار عام ٦٥٦ هـ . ولتمام الفائدة نجمل القول في هذه الشبهات التي عرضت، وحقيقة الواقع الذي عاشه الإمام ابن تيمية، والذي أدى إلى اختلاط الأمر على الناس، وما تناوله شيخ الإسلام في هذه الرسالة من شرح بشكل موجز لينتبه لها القارئ في موضعها إن شاء الله تعالى.

فإن التتار بعد أن استولوا على بلاد المسلمين في العراق وغربها وأسقطوا الخلافة العباسية وعايشوا المسلمين فترة، دخلوا في الإسلام اسمًا ونطقوا الشهادتين وأدوا بعض الشعائر. ذكر ابن كثير في تاريخه في أحداث عام ٦٩٤ هـ ((وفيه ملك التتار قازان بن أرغون بن أبقا بن تولي بن جنكيز خان فأسلم وأظهر الإسلام على يد الأمير توزون رحمه الله، ودخلت التتار أو أكثرهم في الإسلام، ونثر الذهب والفضة واللؤلؤ على رؤوس الناس يوم إسلامه وتسمى بمحمود وشهد الجمعة والخطبة وخرب كنائس كثيرة وضرب عليهم الجزية ورد مظالم كثيرة ببغداد)) أهـ. (١)

واستمر التتار على هذا الأمر بعد ذلك وتسمى ملوكهم بأسماء المسلمين كملكهم ((خربندا محمد بن أوغون بن أبغا بن هولاكو)) و((أزبكخان)) الذي ذكر أخباره ابن كثير في تاريخه كذلك.

ورغم إظهار التتار بعض الشعائر ونطقهم بالشهادتين والتسمي بأسماء المسلمين فقد أعرضوا عن تحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وحكموا فيما بينهم حسب كتاب وضعه لهم ملكهم الأول جنكيز خان سماه ((اليساق)) أو ((الياسة)). وهو عبارة عن قوانين مختلفة في أحكام الدماء والأموال والأعراض حسب شرائع شتى منها الإسلام ومنها غيره. فكانوا يقدمون حكم هذا الكتاب على حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وكانوا يوالون ويعادون عليه، فمن دخل في طاعتهم وشاركهم في الطاعة على هذه القوانين الوضعية كان وليًا لهم يقربونه ويعظمونه ويتخذونه وزيرًا وحاجبًا لهم وإن كان على ملة غير الإسلام سواء النصرانية أو اليهودية

(١) البداية والنهاية، جـ ١٣، صفحة ٣٤٠.

kutub-pdfnet

6