وهؤلاء إذا كان لهم طائفة ممتنعة فهل يجوز اتباع مُدْبِرهم وقتل أسيرهم والإجهاز على جريحهم ؟ على قولين للعلماء مشهورين : فقيل لا يفعل ذلك لأن منادى على بن أبى طالب نادى يوم الجمل : لا يتبع مدبر ولا يجهز على جريح ولا يقتل أسير . وقيل : بل يفعل ذلك لأنه يوم الجمل لم يكن لهم طائفة ممتنعة وكان المقصود من القتال دفعهم ، فلما اندفعوا لم يكن إلى ذلك حاجة ، بمنزلة دفع الصائل . وقد روى أنهم يوم الجمل وصفين كان أمرهم بخلاف ذلك . فمن جعلهم بمنزلة البغاة المتأولين جعل فيهم هذين القولين .
والصواب أن هؤلاء ليسوا من البغاة المتأولين .. فإن هؤلاء ليس لهم تأويل سائغ أصلا وإنما هم من جنس الخوارج المارقين ومانعى الزكاة وأهل الطائف والحرمية ونحوهم ممن قوتلوا على ما خرجوا عنه من شرائع الإسلام . وهذا موضع اشتبه على كثير من الناس من الفقهاء . فإن المصنفين فى قتال أهل البغى جعلوا قتال مانعى الزكاة وقتال الخوارج وقتال علىّ لأهل البصرة وقتاله لمعاوية وأتباعه من قتال أهل البغى وذلك كله مأمور به ، وفرعوا مسائل ذلك تفريع من يرى ذلك بين الناس .
وقد غلطوا ، بل الصواب ما عليه أئمة الحديث والسنة وأهل المدينة النبوية كالأوزاعى والثورى ومالك وأحمد بن حنبل وغيرهم ، أنه يفرق بين هذا وهذا . فقتال علىّ للخوارج ثابت بالنصوص الصريحة عن النبى صلى الله عليه وسلم باتفاق المسلمين . وأما القتال يوم صفين ونحوه فلم يتفق عليه الصحابة بل صد عنه أكابر الصحابة مثل سعد بن أبى وقاص ومحمد بن مسلمة وأسامة بن زيد وعبد الله بن عمر وغيرهم . والأحاديث الصحيحة عن النبى صلى الله عليه وسلم تقتضى أنه كان يجب الإصلاح بين تلك الطائفتين لا الاقتتال بينهما .
كما ثبت عنه فى صحيح البخارى أنه خطب الناس والجيش معه فقال: (( إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين طائفتين عظيمتين فى المؤمنين)). فأصلح الله بالحسن بين أهل العراق وأهل الشام . فجعل النبى صلى الله عليه وسلم الإصلاح به
40