والتتار وأشباههم (١) أعظم خروجاً عن شريعة الإسلام من مانعي الزكاة والخوارج، ومن أهل الطائف الذين امتنعوا عن ترك الربا. فمن شك في قتالهم فهو أجهل الناس بدين الإسلام.
وحيث وجب قتالهم قوتلوا وإن كان فيهم المكره باتفاق المسلمين، كما قال العباس لما أسر يوم بدر: يا رسول الله إني خرجت مكرهاً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أما ظاهرك فكان علينا وأما سريرتك فإلى الله)).. وقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا تترسوا بمن عندهم من أسرى المسلمين وخيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا فإنهم يُقاتلون وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم. وإن لم يخف على المسلمين ففي جواز القتال المفضي إلى قتل هؤلاء المسلمين قولان مشهوران للعلماء. وهؤلاء المسلمون إذا قتلوا كانوا شهداء، ولا يترك الجهاد الواجب لأجل من يقتل شهيداً. فإن المسلمين إذا قاتلوا الكفار فمن قتل من المسلمين يكون شهيداً. ومن قتل وهو في الباطن لا يستحق القتل لأجل مصلحة الإسلام كان شهيداً.
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يغزو هذا البيت جيش من الناس فبيئما هم ببيداء من الأرض إذ خسف بهم. فقيل: يا رسول الله وفيهم المكره . فقال يبعثون على نياتهم)) فاذا كان العذاب الذي ينزله الله بالجيش الذي يغزو المسلمين ينزله بالمكره وغير المكره . فكيف بالعذاب الذي يعذبهم الله به بأيدي المؤمنين كما قال تعالى (قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا) . ونحن لا نعلم المكره ولا نقدر على التمييز ، فاذا قتلناهم بأمر الله كنا في ذلك مأجورين ومعذورين . وكانوا هم على نياتهم ، فمن كان مكرها لا يستطيع الامتناع فإنه يحشر على نيته يوم القيامه . فاذا قتل لأجل قيام الدين لم يكن ذلك باعظم من قتل من يقتل من عسكر المسلمين .
وأما اذا هرب أحدهم فإن من الناس من يجعل قتالهم بمنزله قتال البغاة المتأولين ،
(١) أي أن كل من فعل مثل التتار من الخروج عن شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة في أي زمان ومكان فحكمه حكم التتار.
39