34

فتوى شيخ الإسلام في حكم من بدل شرائع الإسلام

أن المكره إذا قتل ظلماً كان القاتل قد باء بإثمه وإثم المقتول. كما قال تعالى في قصة ابني آدم عن المظلوم: (إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين) (١).

ومعلوم أن الإنسان إذا صال صائل على نفسه جاز له الدفع بالسنة والإجماع، وإنما تنازعوا: هل يجب عليه الدفع بالقتال على قولين هما روايتان عن أحمد: إحداهما يجب الدفع عن نفسه ولو لم يحضر الصف. والثانية: يجوز له الدفع عن نفسه.

وأما الابتداء بالقتال في الفتنة فلا يجوز بلا ريب. والمقصود أنه إذا كان المكره على القتال في الفتنة ليس له أن يقاتل بل عليه إفساد سلاحه وأن يصبر حتى يقتل مظلوماً، فكيف بالمكره على قتال المسلمين مع الطائفة الخارجة عن شرائع الإسلام كما نعى الزكاة والمرتدين ونحوهم. فلا ريب أن هذا يجب عليه إذا أكره على الحضور أن لا يقاتل وإن قتله المسلمون. كما لو أكرهه الكفار على حضور صفهم ليقاتل المسلمين. وكما لو أكره رجل رجلاً على قتل مسلم معصوم فإنه لا يجوز له قتله باتفاق المسلمين وإن أكرهه بالقتل، فإنه ليس حفظ نفسه بقتل ذلك المعصوم أولى من العكس، فليس له أن يظلم غيره فيقتله لئلا يقتل هو. بل إذا فعل ذلك كان القود على المكرَه والمكرِه جميعاً عند أكثر العلماء كأحمد ومالك والشافعي في أحد قوليه، وفي الآخر يجب القود على المكرِه فقط كقول أبي حنيفة ومحمد، وقيل القود على المكره المباشر كما روي ذلك عن زفر. وأبو يوسف يوجب الضمان بالدية بدل القود ولم يوجبه.

وقد روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قصة أصحاب الأخدود وفيها أن الغلام أمر بقتل نفسه لأجل مصلحة ظهور الدين. ولهذا جوز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم في صف الكفار وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين وقد بسطنا القول في هذه المسألة في موضع آخر. فإذا كان الرجل يفعل ما يعتقد أنه يقتل به لأجل مصلحة الجهاد مع أن قتله نفسه أعظم من قتله لغيره

(١) سورة المائدة: آية رقم ٢٩.

34