وخالفت في ذلك طائفة كابن عقيل وغيره، فذهبوا إلى تفسيق أهل البغي، وهؤلاء نظروا إلى من عدوه من أهل البغي في زمنهم فرأوهم فُسَّاقاً. ولا ريب أنهم لا يدخلون الصحابة في ذلك، وإنما يفسق الصحابة بعض أهل الأهواء من المعتزلة ونحوهم، كما يكفرهم بعض أهل الأهواء من الخوارج والروافض، وليس ذلك من مذهب الأئمة والفقهاء أهل السنة والجماعة.
ولا يقولون إن أموالهم معصومة كما كانت، وما كان ثابتاً بعينه رد إلى صاحبه وما أتلف في حال القتال لم يضمن، حتى أن جمهور العلماء يقولون لا يضمن لا هؤلاء ولا هؤلاء. كما قال الزهري: «وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون، فأجمعوا أن كل مال أو دم أصيب بتأويل القرآن فإنه هدر».
وهل يجوز أن يستعان بسلاحهم في حربهم إذا لم يكن إلى ذلك ضرورة؟ على وجهين: في مذهب أحمد يجوز، والمنع قول الشافعي، والرخصة قول أبي حنيفة.
واختلفوا في قتل أسيرهم واتباع مُدبرهم والتذفيف على جريحهم إذا كان لهم فئة يلجئون إليها، فجوز ذلك أبو حنيفة، ومنعه الشافعي، وهو المشهور في مذهب أحمد، وفي مذهبه وجه أنه يتبع مدبرهم في أول القتال. وأما إذا لم يكن لهم فئة فلا يقتل أسير ولا يذفف على جريح كما رواه سعيد وغيره عن مروان بن الحكم قال: «خرج صارخ لعلي يوم الجمل: لا يقتلن مدبر ولا يذفف على جريح ومن أغلق بابه فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن».
فمن سلك هذه الطريقة (٤) فقد يتوهم أن هؤلاء التتار من أهل البغي المتأولين
(٤) يقصد من سوى بين قتال أهل البغي والخوارج ومانعي الزكاة من المنتسبين للقبلة فاعتبره كله قسماً واحداً من باب قتال أهل البغي.
ويرى بعض الفقهاء عدم اعتبار الخوارج مرتدين - ومن ثم لم يلحقوا الممتنعين عن التزام الشرائع بهم وألحقوهم بالمرتدين عن أصل الدين.
17