فاتنة الإمبراطور: فرانسوا جوزيف إمبراطور النمسا السابق وعشيقته كاترين شراط
تصانيف
فلما سمع الإمبراطور هذا الكلام اشتد تقطيبه، وكادت مقلتاه تثبان من وقبيهما وقال: صه، لا أعهد أن في المملكة من يجسر أن يقف لدى إرادتي التي هي السلطة والقانون والتنفيذ جميعا، وسيعلم أولئك الخونة والمشاغبون أي مصير يصيرون.
وكان الغضب قد أخذ من فرنز جوزف كل مأخذ، فوقف وجعل يتمشى في غرفته كالأسد في عرينه وهو يفكر، وبعد هنيهة قال: لكل أمر وقت كما قال سليمان الحكيم، أما الآن فأريد من يلاقي ذلك الضابط شندر في طريقه ويأخذ منه علبة الحلي من غير شغب ولا جلبة. - أجل كذا خطر لي يا مولاي ، لأن اتساع الحركة حول هذه الحادثة يفضي إلى ضجة ترتج لها أطراف الأمة، فلا بدع أن تقضي حكمة جلالتكم بأن تستخرج العلبة من ذلك الضابط الخائن شندر من غير ضوضاء ولا قال وقيل؛ لئلا يبلغ المشاغبون وطرهم في حين بذل المجهود في تدارك هذا الوطر. - كذا كذا يا فون درفلت، فهل لك في ذلك؟
فتردد فون درفلت في الجواب وفكر هنيهة ثم قال: أجل، إذا سلحني مولاي بالأوامر اللازمة، فأثق أني أظفر بالعلبة من غير شغب. - لا أريد مقاومة هذه المكيدة بطريقة رسمية؛ لأن الإمبراطور لا يريد أن يعترف بوجود من يجسر أن يشتغل بمكيدة تخالف إرادته، ففي وسعك أن تفعل كل شيء لاسترداد العلبة من غير التسلح بأوامري. - يكفيني سلاحا أمر مولاي الشفهي، وإنما لما كان بعض المكايدين في البلاط نفسه وبعضهم يستمدون قوتهم من نفوذ البلاط، أخاف أن أجد عثرات في سبيلي من هؤلاء، فإذا كان جلالة مولاي يأمر بغل أيدي ذوي النفوذ ممن لهم صلة بالبلاط؛ فإني أستطيع أن أمسك ذلك الخائن شندر في عنقه وأقوده قياد الكلب. - وهب أني آذن لك أن تفعل ما تشاء ولا تحسب حسابا لأحد غيري.
فتلمظ فون درفلت رضابه وقال: لقد عزم مولاي أن يكسر رأس الأفعى تنظيفا للبلاط من أدران ذوي الفتن فيه، فإذا كنتم جلالتكم تصدرون أمركم المقدس بنفي البارونة برجن والبارونة فيتسيرا الآن ... - صه، أما البارونة برجن فلا ترحل قبل أن تنال عقابها الذي تستحقه، وأما البارونة فتسيرا فحسبها عقابا أن تقصى من البلاد حالا. فهذا أمر برحيلها في هذه الساعة.
وفي الحال عمد الإمبراطور إلى مكتبه وكتب أمرا بسفر البارونة فتسيرا على عجل في برهة نصف ساعة منذ اطلاعها على الأمر، وإلا تقع تحت طائلة العقاب الصارم.
ثم دفع الأمر إلى فون درفلت قائلا: أبلغ هذا الأمر إلى تلك البارونة الصغيرة في الحال. ثم ماذا عزمت أن تفعل؟ - سأنفذ رسولا أو رسولين في الحال، عسى أن يلتقيا بشندر في طريقه فيراقبانه ريثما ألتقي به في محطة أودنبرغ أو نيوستاد، ومتى وقعت عيني عليه وقعت العلبة في يدي حتما. - وهب أن الرسولين لا يلتقيان به ولا أنت صادفته؟ - أقيم بوليسا سريا يرقبه في محطة العاصمة وفي جميع مداخل المدينة. - قد لا يدخل المدينة اليوم. - لا بد أن يكون الكولونل فرنر قد تأثره، ولا يمكن الكولونل أن يتردد في التلغفة إلى مدام كاترين شراط وهي تتلغف لي حين أنبئها عن مكاني. - هب أن هذا الأسلوب لا ينجح، وأود تجنب الإشارات التلغرافية ما أمكن. - ستكون الإشارات الضرورية غامضة يا مولاي، إني واثق بالنجاح يا صاحب الجلالة؛ لأن شندر سيبذل جهده في تسليم العلبة إلى البارونة برجن اليوم، ولا يمكن أن يصل إليها؛ لأننا سنقف في طريقه على كل حال. - ربما راوغ شندر في طريقه وتأخر إلى ما بعد اليوم. - لا يمكن أن تطمئن البارونة برجن ما لم تظفر بالعلبة اليوم؛ ولهذا أؤكد أنها حتمت عليه أن يأتيها بالعلبة في هذا النهار.
فإذا بقيتم جلالتكم تتجاهلون خبر هذه المكيدة العظمى، فلا تتنبه البارونة لتحذير رسولها بوسيلة من الوسائل، وبالتالي يسهل وقوعه في يدنا.
ففكر الإمبراطور برهة ثم قال: حسنا، هل أعتمد عليك يا فون درفلت؟ - يعتمد مولاي على عبده الطائع الأمين ملء الاعتماد. - إني أريد هذه العلبة اليوم يا فون درفلت. - إذا لم تقع العلبة في يد مولاي اليوم، فيعلم مولاي أني برحت هذه الدنيا إلى الآخرة. - اذهب ولك الجزاء الذي يليق منحه بالإمبراطور.
فانحنى فون درفلت أمام مولاه وخرج وفي صدره آمال جسام.
وما دخل فون درفلت إلى مكتبه حتى تلقته البارونة ليوتي (أو نينا فرست كما عرف القارئ)، فقال لها: ويحك! ماذا جئت تفعلين؟ - جئت أرفع شكوى إلى جلالته. - ما الشكوى؟ - دفعت أمر جلالته إلى رئيسة دير الراعي الصالح أمس، فوعدتني أن تجيب طلبي اليوم، فذهبت إليها فإذا هي تراوغ. - إذن هناك أساس المك ...
صفحة غير معروفة