فاتنة الإمبراطور: فرانسوا جوزيف إمبراطور النمسا السابق وعشيقته كاترين شراط
تصانيف
بعد أيام دخلت البارونة مرثا برجن على الإمبراطورة وقالت لها: إن سيدة تدعى الكونتس ألما فورتن من سكسونيا تلح جدا في التماس التشرف بتقبيل يدك يا مولاتي، ولم يعد يسعني ردها. - ما شأنها؟ - لم تشأ أن تقول إلا لجلالتك. - دعيها تدخل؛ لأني أود أن أجنح عن عمل خير أستطيعه.
دخلت الكونتس ألما فورتن وانحنت لدى الإمبراطورة، فمدت لها هذه يدها، فقبلتها ثم جلست حسب إيماء الإمبراطورة، فقالت هذه: لا أذكر أني أعرف هذا الاسم.
فاغرورقت عينا الكونتس وقالت: الأقدار ترفع وتحط يا سيدتي، فإن نسب فورتن قديم ونزوله في سلم الانحطاط قديم أيضا، فلا بدع أن تجهليه جلالتك . - هل أنت في حاجة؟ - كلا، إني من نعمة مولاتي راضية، وما امتثلت لا لأجل نفسي بل لأجل امرأة لا يهون على جلالتك تركها في حضيض الهوان.
فاعتدلت الإمبراطورة في مقعدها وقالت: من هي؟ - يستلزم الأمر أن أسرد لجلالتك تاريخا مختصرا. تذكرين جلالتك أسرة روش؟ - أعلم أن لأسرة روش نسابة لأحد أجدادي لا أذكر من هو. - هو جد جلالتك الأسبق هنري ملك بافاريا. - أظن ذلك. - نعم، كانت أخت جدك الدوقة ولهلمينا زوجة الدوق جوزف روش. - لا أذكر جيدا، أظن الأمر كذلك. - لهو كذلك يا ذات الجلالة، وقد رزق الدوق روش ولدين ولهلم وكارل. - نعم أظن ذلك. - وكان كارل غير مرض لأبيه في سلوكه فأقصاه؛ لأنه تزوج زواجا لم يوافقه أبوه عليه، وقد رزق الدوق كارل 3 بنين وابنة هي الدوقة هنريت روش، أما البنون فماتوا منذ زمان، وأما الدوقة هنريت روش فلم تزل حية ترزق، ولكن كانت نسيا منسيا؛ لأنها قضت أيامها شبه ناسكة فتنوسيت.
عند ذلك نهضت الإمبراطورة عن مقعدها، فنهضت معها الكونتس وبقيت واقفة مكانها، أما الإمبراطورة فتقدمت إلى مكتبتها وتناولت كتابا صغيرا وجعلت تقلب فيه ثم قرأت، ثم قالت: أجل، إن ما قلت صحيح؛ فإن كارل تزوج ممثلة فأقصاه أبوه، ولم يذكر هنا شيء عما جرى له. - بالطبع لأن اسمه ألغي من كتاب أنساب الأشراف. - والدوقة؟ ما اسمها؟ - الدوقة هنريت روش يا مولاتي. - كم عمرها؟ - تناهز السبعين. - أين هي الآن؟ - هي هنا في فينا؟ - هنا؟ متى كانت هنا؟ - منذ شهر تقريبا. - عجبا! - لا تشاء أن يعرف أحد بوجودها مطلقا ... - عجبا! - لأنها متزهدة، وفي الوقت نفسه لا تتنازل عن كرامة نسبها الرفيع. - بالطبع، هل هي في حاجة؟ - هي في حاجة إلى التعزية يا صاحبة الجلالة. - يا لله! لماذا جاءت إلى هنا؟ - لأنها لم تطق هوان مقامها. - بالطبع بالطبع، أما عرضت أمرها على جلالة الإمبراطور؟ - فضلت أن تطلب التعزية من جلالة الإمبراطورة؛ لأنها أحن قلبا. - أعني جلالة الإمبراطور غليوم. - لعلها حاولت ذلك، ولكن أنفتها أبت عليها التذلل. - عجبا، زاهدة وأنوفة! - الزهد بالدنيا يزيد التمسك بشرف المحتد يا مولاتي، فهي لا تبتغي نعيما في الدنيا، وإنما تتوق إلى الشعور بأنها لا تزال منتمية إلى الشرف البافاري الأعلى. - إنك يا كونتس تثيرين في عاطفة الشرف البافاري. - لست أنا التي تفعل يا سيدتي، وإنما حرص الدوقة على شرف أجدادها من الطرفين يستصرخ جلالة الإمبراطورة. - وهل الدوقة في مسيس الحاجة؟ - كلا، لأنها قانعة ببسيط العيش، وإنما هي باخلة بشرفها، فهي تلتمس تعزية أكثر مما تلتمس تنعما، وترجو إحياء شعورها أكثر مما ترجو إحياء رفاهتها. - إني أفعل لها ما تروم. - لا تروم إلا نظرة من جلالتك حتى تتحقق أنها لا تزال بنت روش. - إني أرحب بها ترحابي بأمي. - إنها لعاجزة عن المثول يا مولاتي. - ألا تقدر أن تركب أوتوموبيلا؟ - إنها مريضة مقعدة يا ذات الجلالة.
فتململت الإمبراطورة ثم قالت: لا أدري كيف أستطيع أن أزورها، أين هي ساكنة؟ - في مكان يليق بتشريف جلالتك، متنكرة في شارع البرتو. - في شارع البرتو؟ هناك تكثر السابلة. - إلا قبل الظهر يا مولاتي، وإذا كنت جلالتك في ثوب اعتيادي منقبة بنقاب كثيف، فيستحيل حتى على جلالة الإمبراطور نفسه أن يعرف من أنت؟
ففكرت الإمبراطورة هنيهة ثم قالت: إذن بعد الغد الساعة التاسعة أذهب مع وصيفتي البارونة مرثا، فما هو العنوان؟ - عفوا مولاتي، إن سمو الدوقة تأبى أن يكون هواؤها معرضا، وقد حسبت هذا الحساب وحتمت علي أن أرجو جلالتك ألا تكلفي نفسك مشقة في زيارتها إذا كنت تأبين إلا أن يرافقك أحد، فهي تفضل الصبر واحتمال المضض على أن يطلع أجنبي على هوائها، وتقنع برضى جلالتك ورقة عواطفك ولو من بعيد؛ لأنها تحسب أن مصدر التعزية الوحيد لها إنما هو في هناء جلالة إليصابات نسيبتها الممتازة على سائر أفراد الأسر الشريفة الجرمانية برقة العواطف.
ففكرت الإمبراطورة مليا وقالت: إذن أدع البارونة مرثا في الأوتومومبيل حين أكون في مخدع الدوقة. - أخاف أن وجود الأوتوموبيل في الشارع ينبه المارة للشبهة، فضلا عن أنه قد يفضي إلى كشف حقيقة زيارة جلالتك، وهو ما تبالغ سمو الدوقة في تحاشيه. فإذا تعطفت جلالة الإمبراطورة فإني ألاقي أوتوموبيل جلالتها في أوتوموبيل آخر في مكان تعينينه جلالتك، وثم تنتقلين جلالتك من الأوتوموبيل الأول إلى الثاني، ومتى انتهت الزيارة تعودين إلى أوتوموبيلك، وهذه الخطة أضمن لكتمان تنكرك وأسر لخاطر الدوقة. - حسنا إذن تنتظرينني الساعة التاسعة تماما في زاوية ساحة بارولد. - الأمر لجلالتك، وإنما ألتمس أمرا بالنيابة عن سمو الدوقة، وهو أن تكون زيارة جلالتك هذه مكتومة عن كل من في البلاط، وبذلك تلأمين جرحا في عواطف الدوقة لا يبرأ إلا من يدك. - أعد بذلك، لم تقولي لي يا كونتس علاقتك بالدوقة. - النسب بيننا بعيد، وإنما عرفتها منذ كنت طفلة وكانت تحنو علي حنو جلالتك على البائسين، فقضى علي الشرف والمروءة أن أكون إلى جانبها بقية حياتها. - إني أشكر عواطفك يا كونتس.
ثم نهضت الإمبراطورة فنهضت الكونتس في الحال وانحنت لدى الإمبراطورة وقبلت يدها ومضت.
الفصل الرابع عشر
صفحة غير معروفة