Vida do Appa Daniel ، ونحن مدينون للمسيو أميلنو كذلك برسالة في ترجمة حياة «بيزنتيوس»، وأخرى في حياة البطريق إسحاق، وكلاهما عن وثائق قبطية كتبت في القرن السابع، وبها نبذ ذات شأن عظيم، ولا شك أن الترجمة العربية لحياة شنودة قائمة على أصل قبطي، وقد نشرها كذلك المسيو أميلنو، ولكن القيمة التاريخية لهذه الوثائق القبطية ليست عظيمة المقدار؛ فقد كان هم من كتبوها ذكر الأمور الخاصة بالكنيسة، وكلما كانت تلك الأمور خارقة للمألوف كانت عنايتهم بها أعظم، وأما أمور الدنيا وحركاتها التي حولهم فقد كانت قلوبهم منصرفة عنها، تكاد تكون مقفلة من قبلها، ولا حاجة بنا إلى الأسف على أن هؤلاء الكتاب كانوا يستطيعون أن يدونوا لنا الأخبار الكثيرة ولكنهم لم يفعلوا، فلا يذكرون تاريخ عصرهم وحوادثه إلا بعض نتف متفرقة يذكرونها عرضا، ويلمحون إليها تلميحا.
وإنه لأشد لأسفنا أن حنا النقيوسي وسائر كتاب القبط في القرن السابع تفصلهم حقبة طويلة من الزمن عن الكتاب العرب، وهي نحو قرنين، وإنا لنأمل بعض الأمل أن نرأب تلك الثلمة إذا ما تم درس أوراق البردي الكثيرة التي كشفت في الفيوم وسواها، وإن ما تم منها للآن على أيدي الدكتورين «غرنفل» و«هنت»، وعلى يدي المستر كروم، ليس له كبير جدوى في تاريخ العرب، غير أن أوراق البردي العربية التي ينشرها الأستاذ «كراباسك» لا بد ترسل نورا يجلو ذلك التاريخ، ولنا على ذلك دليل مما نشره في ثبت بين فيه نماذج من تلك الأوراق، وعرضه في معرض «فينا»، وقد كان بينها خطابات من عمال اشتركوا في ميدان الفتح، وأورد حنا النقيوسي ذكر أسمائهم كما أورد أسماءهم مؤرخو العرب.
ولسنا نطمع أن نأتي ببيان مستقص لكل مؤرخي العرب، وحسبنا أن نأتي هنا بكلمة عن كل من كبارهم؛ فلعل في ذلك فائدة؛
3
فقد كان من أول مؤرخي العرب وأعظمهم قدرا الواقدي (747-823 للميلاد)، وقد ضاع كتابه، ولم يبق منه إلا المقتبسات الكثيرة والإشارات العدة التي بقيت في كتب المؤرخين الآخرين. وأما تلك الكتب التي تحمل اسمه مثل كتاب «فتوح مصر»، فإنها تنسب إليه خطأ، ولكنها في العادة تذكر منسوبة إلى اسمه تسهيلا في القول ، بدل أن يقال إنها تأليف «المدعي بأنه الواقدي».
البلاذري (806-892) تعلم في بغداد، ثم تردد على أبواب الخلفاء، وكتب حوالي سنة 868 كتابه «فتوح البلدان»، وهو كتاب في ذكر الحروب والغزوات مرتبة بحسب الأقطار والأقاليم، وهذا الكتاب إذا لم يكن أول الكتب عهدا وأغزرها مادة فهو بغير شك حجة من أعظم المراجع قيمة، ويتضح منه أنه قد كان منذ القرن التاسع خلاف عظيم في الآراء عن تفاصيل فتح مصر، واسمه مشتق من «حب البلاذر»، وهو مادة مخدرة، وقد كان موته ناشئا من أخذه جرعة منه زائدة عن طاقته، والعلامة
Weil
لا يعرف البلاذري.
ابن عبد الحكم (المتوفى بالفسطاط سنة 870) مؤلفه موجود في نسخة وحيدة مخطوطة لم تنشر بعد، وهي في باريس، ولكن قد أعدت العدة لنشرها، وإن الباحثين في الأمور الشرقية ليتطلعون إلى ذلك تائقين، وقد نقل كثير من الأخبار عن ذلك المؤلف، نقلها المؤرخون المتأخرون من العرب، كما نقل عنه «فيل» و«كاترمير»، ويختلط في كتاب ابن عبد الحكم كثير من قصص الخيال بأخبار التاريخ، ولكن لو نشرت منه نسخة منقودة لكانت ذات شأن عظيم.
وثمة الكثير من أوائل من كتبوا في وصف البلدان باللغة العربية، وقد نجد في كتبهم كثيرا من الأخبار والنتف التاريخية التي لها قيمة عظمى، وقد نجد نصوص أكثرهم في كتاب «دي جويجه»
صفحة غير معروفة