قال ابن القيم: "قال غير واحد من السلف: أن اللات كان رجلا صالحا يلت السويق للحاج فمات، فعكفوا على قبره" وأما العزى، فعلى ما ذكره المفسرون: أنها ثلاث سمرات في وادي نخلة تقصدها العرب. وأما مناة: فحجارة معروفة يهلون منها للحج، ويستمطرون بها الأنواء. ومنهم من يعبد الأنبياء والصالحين، قال تعالى: {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا} . [الإسراء: 56،57] . ذكر المفسرون أن هذه الآية نزلت في ناس يعبدون عيسى وعزيزا. ومنهم من يعبدون الملائكة، يريدون منهم الشفاعة قال تعالى: {ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون} . [سبأ: 40،41] . ومنهم من يعبد الجن، قال تعالى: {وأنه كان رجال من الأنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا} . [الجن: 6] . ذكر المفسرون أنهم إذا نزلوا الوادي قالوا: "إنا نعوذ بسيد هذا القوم من سفهائهم" ومنهم من يعبد الشمس والقمر، قال تعالى: {ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا # تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون} . [فصلت: 37] . ومنهم من يعبد صورا مصورة على صور الصالحين، ودأ، وسواعا، ويغوث، ويعوق، ونسرا. وكانوا يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله، قال تعالى: {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا} . [نوح: 23] .
وقال تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} . [يونس: 18] .
واعلم أن المشركين مع شركهم وكفرهم، كانوا يخلصون لله في الشدائد، ويشركون في الرخاء، قال تعالى: {فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون} . [العنكبوت: 65] . وقال تعالى: {وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون} . [الروم: 33، 34] . قال ابن عباس في تفسير هذه الآية: "إن الكفار المشركين كانوا إذا ركبوا في السفن ألقوا ما معهم من الأصنام وعلموا أن آلهتهم لا تنفعهم" انتهى.
فإذا علمت معابيد المشركين في الجملة، وعرفت أنهم لا يشركون دائما، بل يشركون في حال الرخاء، وأما في الشدائد فيخلصون لله تعالى، فاعلم أن في آخر الزمان وقع ما هو أشد وأدهى من فعل المشركين بوجوه:
الوجه الأول: أنه ما كان في المشركين إلا قبة واحدة، وهي قبة اللات، والآن في كل مكان قبائب بها يلاذ ويستعان، كما قيل:
وعند ثقيف كان قبة لاتهم ... والآن في كل المواطن ذا الصنع
ففي كل أرض قبة مثل لاتهم ... ليرجى ويدعى لانتفاع وللدفع # وأيضا عندهم العزى لا سواها، والآن كم من شجرة تقصد؟ كما قيل:
صفحة ٧٩