المثل الثالث: هل يرضى أحد أن يساوي مملوكه معه في حقه؟ وإن رضي أحد؛ هل يجوزه العقل؟ بل يستنكره أشد الاستنكار، ويستقبحه، وكل يقبح عليه ويوبخه على ذلك، فإذا كان هذا في العبيد النقص لا يجوز، فكيف بمساواة الكامل في جميع الوجوه خالق كل شيء لا إله إلا هو بعبد ضعيف عاجز لا يملك لنفسه شيئا، فضلا عن غيره؟ إلا في الدعاء، والحب، والخوف، والرجاء، والتوكل، والإنابة، والاستعانة، والاستغاثة فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ لأن كل # ذلك عبادة والعبادة حق لله تعالى، قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} . [النحل: 36] . وقال تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} . [النساء: 36] . وقال تعالى: {من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} . [المائدة: 72] . فإن قلت: الشرك المذكور ليس في العبادة، بل الشرك في الربوبية والملك. قلت: هذا يرده القرآن فإن الله قد أخبر أن المشركين يقرون بالربوبية والملك ولم يدخلوا في الإسلام لما أنهم أشركوا في العبودية، قال تعالى عنهم: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} . [لقمان: 25] . وقال تعالى: {قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون} . [يونس: 31] . فهذه الربوبية قد أقر بها الكفار المشركون وأما الملك فكذلك أقروا به قال تعالى: {قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون} . [المؤمنون: 88، 89] . فبين الله أن المشركين كانوا مقرين بالملك أيضا، كما أنهم مقرون بالربوبية، ولكن أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقاتلهم على شرك العبادة، قال تعالى: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} . [الكهف: 110] . وقال تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} . [الأنفال: 39] . والدين: هو العبودية مطلقا، فإذا عرفت ذلك فكيف يساوى مع الخالق القادر، العبد العاجز؟ وقد نبه الله على هذا، قال تعالى: {ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون} . [الروم:
صفحة ٦٩