194

فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

تصانيف

ومن الاستغاثة ما ذكر ابن أبي الدنيا في كتاب المجابين في الدعاء عن الحسن قال: كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار يكنى أبا معلق وكان تاجرا يتجر بمال له ولغيره يضرب به في الآفاق، وكان ناسكا ورعا فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح، فقال: ضع مع معك فإني قاتلك، قال: ما تريد إلا دمي، شأنك بالمال، قال: أما المال فلي فلست أريد دمك، قال: إذا أبيت فذرني أصلي أربع ركعات، قال: صل ما بدا لك، فتوضأ ثم صلى أربع ركعات فكان من دعائه في آخر سجدة سجدها أن قال: يا ودود يا ذا العرش المجيد فعالا ما يريد أسألك بعزك الذي لا يرام وملكك الذي لا يضام وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص يا مغيث أغثني ثلاث مرات فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة قد وضعها بين أذني فرسه فلما بصر به اللص أقبل نحوه فطعنه فقتله ثم أقبل إليه فقال له: قم # فقال: من أنت بأبي أنت وأمي جميعا أغاثني الله بك اليوم؟ قال: أنا طائف من أهل السماء الرابعة دعوت بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقعة ثم دعوة بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة، ثم دعوت بدعائك الثالث: فقيل: دعاء مكروب فسألت الله عز وجل أن يوليني قتله، قال الحسن: فمن توضأ وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروبا أو غير مكروب1، هذا وقال الشيخ أحمد ابن تيمية: وقد قال المصنفون في أسماء الله تعالى: يجب على كل مكلف أن يعلم أن لا غياث ولا مغيث على الإطلاق إلا الله، وإن كل غوث فمن عنده وإن جعل ذلك على يد غيره فالحقيقة له سبحانه ولغيره مجاز، قالوا: ومن أسمائه المغيث والغياث وجاء ذكر المغيث في حديث أبي هريرة، قالوا: وأجمعت الأمة على ذلك، وقال أبو عبد الله الحليمي: الغياث هو المغيث وأكثر ما يقال: غياث المستغيثين ومعناه المدرك عباده في الشدائد إذا دعوه. وفي خبر الاستسقاء في الصحيحين "اللهم أغثنا، اللهم أغثنا" 2 يقال: أغاثه إغاثة وغياثا وغوثا وهذا الاسم في معنى المجيب والمستجيب إلا أن الإستغاثة أحق بالأفعال والاستجابة أحق بالأقوال، وقد يقع كل منهما موقع الآخر، قالوا: والفرق بين المستغيث والداعي أن المستغيث ينادي بالغوث والداعي يدعو بالمدعو، قال أبو يزيد البسطامي: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق، وقال الشيخ أبو عبد الله القرشي الشيخ المشهور بالديار المصرية وغيرها: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون، وفي حديث موسى: اللهم # لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان وبك يستغاث وعليك التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولما كان هذا المعنى هو المفهوم فيهما عند الإطلاق صح إطلاق نفيهما عما سوى الله عز وجل، ولهذا لا يعرف عن أحد من أئمة المسلمين أنه جوز مطلق الاستغاثة بغير الله تعالى ولا أنكر على من نفى مطلق الاستغاثة عن غير الله.

وكذلك الاستعانة منها ما لا يصح إلا لله وهي المشار إليها بقوله تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة: 5] . فإنه لا يعين على العبادة الإعانة المطلقة إلا الله تعالى وقد يستعان بالمخلوق فيما يقدر عليه كما قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} [المائدة: 2] . وكذلك الاستنصار، قال تعالى: {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر} [الأنفال: 72] . والنصر المطلق وهو خلق ما به يغلب العدو لا يقدر عليه إلا الله تعالى فعلى هذا فقس.

وأما الدعاء فيعم كشف الشدائد وجلب الفوائد، قال تعالى: {وادعوه خوفا وطمعا} . [الأعراف: 56] .

والدعاء مخ العبادة، قال تعالى: {قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم} . [الفرقان: 77] .

والدعاء يشمل دعاء المسئلة ودعاء العبادة وكلاهما مختصة لله تعالى.

صفحة ٢٤٠