وكيفَ تَواصوْا بِاتِّجِاهِ وجُوهِهِم … لِغَيرِ مُحَيَّاهُ خُضوعَ الحوَاجِبِ
أمَا والذِّي في واسْأَلُوا الله سِتْرَهُ … لما الفضلُ إِلا فضْلُهُ دونَ حاجِبِ
فإنِّي قريبٌ دونَ وَهْمِ مَسافةٍ … ولكنْ بعيدٌ كلُّ نَاسٍ مجانبِ
رضيتَ فُلانًا وهو مثلُك عاجِزٌ … وما دونَ إذنِ الله قربٌ لجانبِ
وما قَطَعَ الأعناقَ إلا اعتِنَاقُها … مَطَامعَ إعْراضِ الغُرور الكواذبِ
ولوْ سَمِعَ القُرَّاءُ حين اقترَائِهم … لفِيَ آلِ عمران كنوزُ المطالبِ
بِهَا يَنظرُ الدُّنيَا بِعَين احْتِقَارِها … فقيهُ المعاني غيرَ عانِ الذَّوَائبِ (^١)
تمشتْ من الدُّنيا كوؤسُ خِدَاعِهَا … فما كأسٌ إِلا صَائمٌ غَيْرُ شاربِ
وله أيضًا ﵀:
يلومُونَني إِذْ مَاوجدتُ مُلائِمًا … ومَالي مليمٌ حِيَن سُمْتُ المكَارِمَا
وقَالُوا تعلَّمْ للعُلُومِ نَفَاقَهَا … بِسحرِ نِفاقٍ يسْتَخِفُّ العَزَائِما (^٢)
وقَلِّبْ جَنَاهَا حُوَّلا قُلَّبَا بِمَا … يُدْلي أنوفَ الشَّامِخَاتِ رَوَاغِمَا (^٣)
وأن ينقلبْ عندَ الشَّرابِ شرَابُه … فكالمنْجِحِ المجهودِ عذرًا مزاحما
ولا بُدَّ مِنْ مَالٍ بِه العلمُ يَعْتَلِي … وجَاهٍ مِنْ الدُّنْيَا يَكفُّ المظَالِمَا
ولولا مصابيحُ السلاطين لم تجدْ … على ظلماتِ السُّبلِ بالحقِّ قَائِما
فَخَالِطْهُم واصبرْ لِذُلِّ حِجَابِهِم … تَنْلْ بِهمْ عِزًَّا يُسْمِيكَ عَالما
ودونكَ يَامَنْ لايَرى النُّصْحَ ذِلَّةً … ستُوسِعُ فيك الشامتيَن المَرَاحِمَا
إذا لعبتْ صِبيانُهم بِكَ وابْتَغَتْ … شُيوخُهُم فيكَ الصروفَ القَواصِمَا (^٤)
(^١) لا يكون أسيرًا لشهوات الدنيا ومطامعها.
(^٢) نفاقها: رواجها.
(^٣) في مختار الصحاح فلان حُوَّل قلَّبٌ أي محتال بصير بتقليب الأمور. (قلب) ص/ ٥٤٧.
(^٤) الحوادث المهلكات.