فتح الرحمن في بيان هجر القرآن
الناشر
دار ابن خزيمة للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣١ هـ - ٢٠١٠ م
مكان النشر
الرياض - المملكة العربية السعودية
تصانيف
عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ (٢ - ٤) سورة الأنفال، وقال تعالى ﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ (٧٣) سورة الفرقان. أي: لم يكونوا عند سماعها متشاغلين، لاهين عنها، بل مصغين إليها، فاهمين بصيرين بمعانيها؛ فلهذا إنما يعملون بها، ويسجدون عندها عن بصيرة، لا عن جهل ومتابعة لغيرهم.
الثالث: أنهم يلزمون الأدب عند سماعها، كما كان الصحابة ﵃ عند سماعهم كلام الله - تعالى - من تلاوة رسول الله ﷺ، تقشعر جلودهم، ثم تلين مع قلوبهم إلى ذكر الله، ولم يكونوا يتصارخون، ولا يتكلفون بما ليس فيهم، بل عندهم من الثبات والسكون والأدب والخشية مالا يلحقهم أحد في ذلك؛ ولهذا فازوا بالمدح من الرب الأعلى في الدنيا والآخرة ٠ قال عبد الرزاق: حدثنا معمر قال: تلا قتادة ﵀: ﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ قال: هذا نعت أولياء الله، نعتهم الله ﷿ بأن تقشعر جلودهم، وتبكي أعينهم، وتطمئن قلوبهم إلى ذكر الله، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم، والغشيان عليهم، إنما هذا في أهل البدع، وهذا من الشيطان.
قال السدي: (﴿ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ﴾ أي: إلى وعد الله، وقوله: ﴿ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء﴾ أي: هذه صفة من هداه الله، ومن كان على خلاف ذلك فهو ممن أضله الله: ﴿وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾) (١).
(١) تفسير ابن كثير (٤/ ٥٠ - ٥١).
1 / 235