فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله
الناشر
دار ابن القيم
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٤هـ/٢٠٠٣م
مكان النشر
الدمام المملكة العربية السعودية
تصانيف
الشياطين)، وليس كذلك، فإنَّ الله خلق بني آدم وفطَرَهم على قبول الإسلام والميل إليه دون غيره، والتهيؤ لذلك والاستعداد له بالقوَّة، لكن لا بدَّ للعبد من تعليم الإسلام بالفعل، فإنَّه قبل التعليم جاهلٌ لا يعلم شيئًا، كما قال ﷿: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا﴾، وقال لنبيِّه ﷺ: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًا فَهَدَى﴾، والمراد وَجَدَك غيرَ عالِم بما علَّمك من الكتاب والحكمة، كما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ﴾، فالإنسانُ يُولَد مفطورًا على قبول الحقِّ، فإن هداه الله سبَّب له مَن يعلِّمه الهدى، فصار مهتديًا بالفعل، بعد أن كان مهتديًا بالقوة، وإن خذله الله قيَّض له مَن يعلِّمه ما يغيِّر فطرتَه، كما قال ﷺ: (كلُّ مولود يولد على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدانه ويُنَصِّرانه ويُمَجِّسانه) ".
وفي هذا الحديث الأمر بسؤال الله الهداية، وهي تشمل هداية الدلالة والإرشاد وهداية التوفيق والتسديد، وحاجة العباد إلى الهداية أشدُّ من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وقد جاء في سورة الفاتحة: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾، فهم يسألون الله ﷿ أن يُثبِّتَهم على الهداية الحاصلة، وأن يزيدهم هدى على هدى.
٤ قوله: "يا عبادي! كلُّكم جائعٌ إلاَّ مَن أطعمته، فاستطعموني أُطْعمكم، يا عبادي! كلُّكم عار إلاَّ مَن كَسوته، فاسْتكسوني أَكْسُكُم"، في هاتَين الجملتين بيان شدَّة افتقار العباد إلى ربِّهم، وحاجتهم إليه في تحصيل أرزاقهم وكسوتهم، وأنَّ عليهم أن يسألوه ﷾ طعامهم وكسوتهم.
1 / 84