فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله
الناشر
دار ابن القيم
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٤هـ/٢٠٠٣م
مكان النشر
الدمام المملكة العربية السعودية
تصانيف
الحديث التاسع
عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي الله تعالى عنه قال: سمعتُ رسول الله ﵌ يقول: "ما نهيتُكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم؛ فإنَّما أهلك مَن كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم" رواه البخاري ومسلم.
١ اتَّفق الشيخان على إخراج هذا الحديث، وهو بهذا اللفظ عند مسلم في كتاب الفضائل (١٧٣٧)، وقد جاء بيان سبب الحديث عنده في كتاب الحج (١٣٣٧) عن أبي هريرة قال: "خطبنا رسول الله ﷺ فقال: أيُّها الناس! قد فرض الله عليكم الحجَّ فحُجُّوا، فقال رجل: أكلَّ عام يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله ﷺ: لو قلت نعم لوجبت، ولَمَا استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتُكم؛ فإنَّما هلك مَن كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتُكم عن شيء فدعوه".
٢ قوله: "ما نهيتُكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم" فيه تقييد امتثال الأمر بالاستطاعة دون النهي؛ وذلك أنَّ النهيَ من باب التروك، وهي مستطاعة، فالإنسانُ مستطيعٌ ألاَّ يفعل، وأمَّا الأمر فقد قُيِّد بالاستطاعة؛ لأنَّه تكليف بفعل، فقد يستطاع ذلك الفعل، وقد لا يُستطاع، فالمأمور يأتي بالمأمور به حسب استطاعته، فمثلًا لَمَّا نهي عن شرب الخمر، والمنهي مستطيع عدم شربها، والصلاة مأمور بها، وهو يصليها على حسب استطاعته من قيام وإلاَّ فعن جلوس، وإلاَّ فهو مضطجع، ومِمَّا يوضحه في الحسيَّات ما لو قيل لإنسان: لا تدخل
1 / 50