فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله
الناشر
دار ابن القيم
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٤هـ/٢٠٠٣م
مكان النشر
الدمام المملكة العربية السعودية
تصانيف
٢ قوله: "وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره، التقوى ههنا ويشير إلى صدره ثلاث مرَّات، بحسب امرئ من الشرِّ أن يحقرَ أخاه المسلم"، بعد نهيه ﷺ عن أمور محرَّمة، فيها التباغض بين المسلمين وتعاطي أسبابه، أرشد ﷺ إلى ما هو مطلوب من المسلمين أن يكونوا عليه، وهو أن يكونوا إخوةً متحابِّين متآلفين، يرفق بعضهم ببعض، ويُحسن بعضُهم إلى بعض، بإيصال النفع إليه ودفع الضرر عنه، وأكَّد ذلك بقوله: "المسلم أخو المسلم"، أي: أنَّ مقتضى الأخوة أن يحبَّ لغيره ما يحبُّ لنفسه، ويكره له ما يكره لها، فلا يظلم غيره بأن يعتدي عليه، أو يلحق أيَّ ضرر به، ولا يخذله عند حاجته إلى نصرته وهو قادر على أن ينصره، ولا يحدِّثه بحديث هو كاذب فيه، ولا يحقره بأن يستهين به ويستصغره، ثم بيَّن ﷺ قبح احتقار المسلم أخاه بقوله: "بحسب امرئ من الشرٍّ أن يحقرَ أخاه المسلم"، أي: يكفيه من الشرِّ احتقار أخيه لو لم يكن عنده شرٌّ غيره، ووسَّط ﷺ بين النهي عن الاحتقار وبيان عظمَ شرِّه قوله ﷺ: "التقوى ههنا" مشيرًا إلى صدره ثلاث مرَّات، أي إلى القلب؛ لبيان أنَّ العبرة بما يقوم في القلوب من الإيمان والتقوى، وأنَّه قد يكون قلبُ مَن احتُقر معمورًا بالتقوى، ويكون قلبُ مَن احتقره وتكبَّر عليه بخلاف ذلك، وأمَّا ما يقوله بعضُ مَن يقع في المعاصي الظاهرة إذا نبِّه على شيء منها أشار إلى صدره، وقال: "التقوى ههنا"، فيُقال له: إنَّ التقوى إذا صارت في القلب ظهر أثرُها على الجوارح بالاستقامة وترك المعصية، وقد قال ﷺ: "ألا إنَّ في الجسد مُضغة إذا صلحت صلح الجسد كلُّه وإذا فسدت فسد الجسد كلُّه، ألا وهي القلب"، وقال ﷺ: "إنَّ الله لا
1 / 119