فتح القدير شرح الهداية
الناشر
مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٣٨٩ هجري
مكان النشر
مصر
تصانيف
الفقه الحنفي
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة: ٦] الْآيَةَ.
ــ
[فتح القدير]
الْحَاصِلَةَ عَنْ تَطْهِيرٍ سَابِقٍ وَإِيجَابِ تَطْهِيرٍ آخَرَ مُسْتَأْنَفٍ.
وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: السَّبَبِيَّةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِدَلِيلِ الْجَعْلِ لَا بِمُجَرَّدِ التَّجْوِيزِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ، وَاخْتَارُوا أَنَّهُ إرَادَةُ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِرَادَةِ لَا يُظْهِرُ وَجْهَ إيجَابِهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَلْزِمُ لُحُوقَ الشُّرُوعِ الْمُسْتَلْزِمِ عَدَمَ الطَّهَارَةِ فِي الصَّلَاةِ لَوْ لَمْ تُقَدَّمْ، فَحَقِيقَةُ سَبَبِهَا وُجُوبُ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ إيجَابَ الشَّيْءِ يَتَضَمَّنُ إيجَابَ شَرْطِهِ لَا لَفْظًا لُغَةٌ، وَكَوْنُ الْإِرَادَةِ مُضْمَرَةً فِي قَوْله تَعَالَى ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا﴾ [المائدة: ٦] يُقَيِّدُ تَعْلِيقَ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ بِالْإِرَادَةِ الْمُسْتَلْحِقَةِ لِلشُّرُوعِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مَشْرُوطٌ بِهَا، فَآلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ وُجُوبَهَا بِسَبَبِ فِعْلِ مَشْرُوطِهَا، إلَّا أَنَّ وُجُوبَهَا بِوُجُوبِهِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا بِنَقْلِهِ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الْإِرَادَةُ، إذْ لَا وُجُوبَ إلَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ عِنْدَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ، وَلَا نَعْلَمُ قَائِلًا بِوُجُوبِ الطَّهَارَةِ بِمُجَرَّدِ إرَادَةِ النَّافِلَةِ حَتَّى يَأْثَمَ بِتَرْكِهَا وَإِنْ لَمْ يُصَلِّهَا، وَجَعْلُهَا سَبَبًا بِشَرْطِ الشُّرُوعِ يُوجِبُ تَأَخُّرَ وُجُوبِ الْوُضُوءِ وَفِيهِ الْمَحْذُورُ، فَإِنَّ
1 / 13