فتح القدير على الهداية

ابن الهمام ت. 861 هجري
210

فتح القدير على الهداية

الناشر

دار الفكر

رقم الإصدار

الثانية

مكان النشر

بيروت

الجماعة سنة وما زاد على الواحد جماعة في غير الجمعة عن محمد رحمه الله قوله الجماعة سنة لا يطابق دليله الذي ذكره الدعوى إذ مقتضاه الوجوب إلا لعذر إلا أن يريد ثبوتها بالسنة وحاصل الخلاف في المسئلة أنها فرض عين إلا من عذر وهو قول أحمد وداود وعطاء وأبي ثور وعن ابن مسعود وأبي موسى الأشعري وغيرهما من سمع النداء ثم لم يجب فلا صلاة له وقيل على الكفاية وفي الغاية قال عامة مشايخنا إنها واجبة وفي المفيد أنها واجبة وتسميتها سنة لوجوبها بالسنة وفي البدائع يجب على العقلاء البالغين الأحرار القادرين على الجماعة من غير حرج وإذا فاتته لا يجب عليه الطلب في المساجد بلا خلاف بين أصحابنا بل إن أتى مسجدا آخر للجماعة فحسن وإن صلى في مسجد حيه منفردا فحسن وذكر القدوري يجمع بأهله ويصلي بهم يعني وينال ثواب الجماعة وقال شمس الأئمة الأولى في زماننا تتبعها وسئل الحلواني عمن يجمع بأهله أحيانا هل ينال ثواب الجماعة فقال لا ويكون بدعة ومكروها بلا عذر واختلف في الأفضل من جماعة مسجد حيه وجماعة المسجد الجامع وإذا كان مسجدان يختار أقدمهما فإن استويا فالأقرب وإن صلى في الأقرب وسمع إقامة غيره فإن كان دخل فيه لا يخرج وإلا فيذهب إليه وهذا على الإطلاق تفريع على أفضلية الأقرب مطلقا لا على من فضل الجامع فلو كان الرجل متفقها فمجلس أستاذه لدرسه أو مجلس العامة أفضل بالإتفاق وقد سمعت أن الجماعة تسقط بالعذر فمن الأعذار المرض وكونه مقطوع اليد والرجل من خلاف أو مفلوجا أو مستخفيا من السلطان أولا يستطيع المشي كالشيخ العاجز وغيره وإن لم يكن بهم ألم وفي شرح الكنز والأعمى عند أبي حنيفة والظاهر أنه اتفاق والخلاف في الجمعة لا الجماعة ففي الدراية قال محمد لا يجب على الأعمى وبالمطر والطين والبرد الشديد والظلمة الشديدة في الصحيح وعن أبي يوسف سألت أبا حنيفة عن الجماعة في طين وردغة فقال لا أحب تركها وقال محمد في الموطأ الحديث رخصة يعني قوله صلى الله عليه وسلم إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال وما عن ابن أم مكتوم أنه قال يا رسول الله إني ضرير شاسع الدار ولي قائد لا يلائمني فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي قال أتسمع النداء قال نعم قال ما أجد لك رخصة رواه أبو داود وأحمد والحاكم وغيرهم معناه لا أجد لك رخصة تحصل لك فضيلة الجماعة من غير حضورها لا الإيجاب على الأعمى فإنه صلى الله عليه وسلم رخص لعتبان بن مالك في تركها وقيل الجماعة سنة مؤكدة في قوة الواجب فهذه أربعة أقوال وجه الأول قوله صلى الله عليه وسلم لقد هممت أن آمر بالمؤذن فيؤذن ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم الحطب إلى قوم يتخلفون عن الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار وليس المراد ترك الصلاة أصلا بدليل ما عن أبي هريرة رضي الله عنه عنه صلى الله عليه وسلم لقد هممت أن آمر فتية فيجمعوا لي حزما من حطب ثم آتى قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة فأحرقها عليهم فقيل ليزيد هو ابن الأصم الجمعة عني أو غيرها قال صمت أذناي إن لم أكن سمعت أبا هريرة يأثره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر جمعة ولا غيرها رواه مسلم وغيره وإنما قالوا ليزيد ذلك لأنه روى عن ابن مسعود نحوه إلا أنه قال يتخلفون عن الجمعة رواه مسلم أيضا قيل هما روايتان رواية في الجمعة ورواية في الجماعة وكلاهما صحيح وروى ابن ماجه عنه صلى الله عليه وسلم من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر رواه الحاكم وقال على شرطهما والجواب أن ما ذكر يصلح وجها للوجوب لأن الفرض لا يثبت بخبر الواحد فهو دليل عامة مشايخنا على ما في الغاية وتسميتها سنة على ما في حديث ابن مسعود لا حجة فيه للقائلين بالسنية إذ لا ينافي الوجوب في خصوص ذلك الإطلاق وهو قول ابن مسعود من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادي بهن فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى بها يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف وهذا لأن سنن الهدى أعم من الواجب لغة كصلاة العيد وقوله لضللتم يعطى الوجوب ظاهرا وفي رواية لأبي داود عنه لكفرتم ولعل حديث ابن مسعود هذا هو الذي ذكره المصنف بناء على أنه ذكر بعضه بالمعنى إلا أنه رفع قوله لا يتخلف عنها إلا منافق فأفاد أنه وعيد منه صلى الله عليه وسلم يعني أن وصف النفاق يتسبب عن التخلف لا إخبار أن الواقع أن التخلف لا يقع إلا من منافق فإن الإنسان قد يتخلف كسلا مع صحة الإسلام ويقين التوحيد وعدم النفاق وحديث ابن مسعود إنما يفيد أن الواقع إذ ذاك عدم التخلف إلا من منافق على أن معنى هذه الزيادة روى مرفوعا عنه صلى الله عليه وسلم قال الجفاء كل الجفاء والكفر والنفاق من سمع منادي الله ينادي إلى الصلاة فلا يجيبه رواه أحمد والطبراني وفي رواية للطبراني عنه صلى الله عليه وسلم بحسب المؤمن من الشقاء والخيبة أن يسمع المؤذن يثوب بالصلاة فلا يجيبه والتثويب هنا الإقامة سماها به لأن الإقامة عود إلى الإعلام بعد الإعلام بالأذان أما التثويب بين الأذان والإقامة فلم يكن على عهده صلى الله عليه وسلم غير أن هذا يفيد تعليق الوجوب بسماع الإقامة بعد ثبوت حسنه ويتوقف الوعيد في حديث التحريق على كونه لترك الحضور دائما كما هو ظاهر قوله لا يشهدون الصلاة وقوله في الحديث الآخر يصلون في بيوتهم ليست بهم علة كما يعطيه ظاهر إسناد المضارع في مثله نحو بنو فلان يأكلون البر أي عادتهم فيكون الوجوب للحضور أحيانا والسنة المؤكدة التي تقرب منه المواظبة عليها وما تمسك به مثبتو السنة من قوله صلى الله عليه وسلم صلاة الرجل في الجماعة تفضل على صلاته في بيته أو سوقه سبعا وعشرين ضعفا فإنه يقتضي ثبوت الصحة والفضيلة بلا جماعة فجوابه أنه لا يستلزم أكثر من ثبوت صحة ما في البيت والسوق في الجملة بلا جماعة ولا شك فيه إذا فاتته الجماعة فالمعنى صلاة الجماعة أفضل من الصلاة في بيته فيما تصح فيه ولو كان مقتضاه الصحة مطلقا بلا جماعة لم يدل على سنيتها لجواز أن الجماعة ليست من أفعال الصلاة فيكون تركها مؤثما لا مفسدا وحاصله أنه إيجاب فعل الصلاة في جمع كإيجاب فعلها في أرض غير مغصوبة وزمان غير مكروه فإن قلت لم لم تقل في الجواب إنه يقتضي الصحة وعدم الواجب لا ينافيها فالجواب أن اللزوم ملاحظ باعتبارين باعتبار صدوره من الشارع وباعتبار ثبوته في حقنا فملاحظته بالإعتبار الثاني إن كان طريق ثبوته عن الشارع قطعيا كان متعلقه الفرض ونافى ترك مقتضاه الصحة وإن كان ظنيا كان الوجوب ولم ينافها لا لاسم الوجوب بل لأن ثبوته عنه صلى الله عليه وسلم ليس قطعيا فإنا لو قطعنا به عنه نافى ولذا لا يثبت هذا القسم أعني الواجب في حق من سمع من النبي صلى الله عليه وسلم مشافهة مع قطيعة دلالة المسموع فليس في حقه إلا الفرض الذي عدمه مناف للصحة أو غير اللازم من السنة فما بعدها فظهر بهذا أن ملاحظته بالإعتبار الأول ليس فيه وجوب بل الفرضية أو عدم اللزوم أصلا والكلام فيما نحن فيه إنما هو باعتبار صدوره منه صلى الله عليه وسلم أنه قاله مريدا معنى ظاهره أولا فلا يكون بهذا الإعتبار متعلق الخطاب إلا الإفتراض أو عدم اللزوم فلا يتأتى الجواب بأن الوجوب لا ينافي عدمه الصحة فتأمل وقد كمل إلى هنا أدلة المذاهب سوى مذهب الكفاية وكأنه يقول المقصود من الإفتراض إظهار الشعار وهو يحصل بفعل البعض وهو ضعيف إذ لا شك في أنها كانت تقام على عهده عليه الصلاة والسلام في مسجده ومع ذلك قال في المتخلفين ما قال وهم بتحريقهم ولم يصدر مثله عنه فيمن تخلف عن الجنائز مع إقامتها بغيرهم قوله يؤم القوم الحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري واللفظ لمسلم يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم إسلاما ولا يؤم الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه قال الأشج في روايته مكان إسلاما سنا ورواه ابن حبان والحاكم إلا أن الحاكم قال عوض فأعلمهم بالسنة فأفقههم فقها فإن كانوا في الفقه سواء فأكبرهم سنا وهي لفظة غريبة وإسنادها صحيح واختلف المشايخ في الإختيار منهم من اختار قول أبي يوسف ومنهم كالمصنف من اختار قول أبي حنيفة ومحمد رحمهم الله وهو أن الأعلم أولى بعد كونه يحسن القراءة المسنونة وجعل المصنف هذا الحديث دليلا للمختار عنده بناء على أن الأقرأ كان أعلم لتلقيهم القرآن بأحكامه ونظر فيه برواية الحاكم ولو صح فإنما مفاده أن الأقرأ أعلم بأحكام الكتاب فصار الحاصل يؤم القوم أقرؤهم أي أعلمهم بالقراءة وأحكام الكتاب فإنهما متلازمان على ما ادعى وإن كانوا في القراءة والعلم بأحكام الكتاب سواء فأعلمهم بالسنة وهذا أولا يقتضي في رجلين أحدهما متبحر في مسائل الصلاة والآخر متبحر في القراءة وسائر العلوم ومنها أحكام الكتاب أن التقدمة للثاني لكن المصرح به في الفروع عكسه بعد إحسان القدرالمسنون والتعليل الذي ذكره المصنف يفيده حيث قال لأن العلم يحتاج إليه في سائر الأركان والقراءة لركن واحد وثانيا يكون النص ساكتا عن الحال بين من انفرد بالعلم عن الأقرئية بعد إحسان المسنون ومن انفرد بالأقرئية عن العلم لا كما ظن المصنف فإنه لم يقدم الأعلم مطلقا في الحديث على ذلك التقدير بل من اجتمع فيه الأقرئية والأعلمية اللهم إلا أن يدعي أنه أراد بلفظ الأقرأ الأعلم فقط أي ليس بأقرأ فيكون مجازا خلاف الظاهر بل الظاهر أنه أراد الأقرأ غير أن الأقرأ يكون أعلم باتفاق الحال إذ ذاك فأما المنفرد بالأقرئية والمنفرد بالأعلمية فلم يتناولهما النص فلا يجوز الإستدلال به على الحال بينهما كما فعل المصنف فإن قيل فليكن أراد الأقرأ لكنه معلل بكونه أعلم فيفيد في محل النزاع فالجواب أنه لو سلم فإنما يكون معللا بأعلمية أحكام الكتاب دون السنة والإتفاق على أنه ليس كذلك إذ المقصود الأعلمية بأحكام الصلاة على ما نقلناه ويشير إليه تعليل المصنف وهي لا تستفاد من الكتاب بل من السنة أرأيت ما يفسد الصلاة وما يكره فيها على كثرة شعبه ومسائل الإستخلاف يعرف ذلك من الكتاب أم من السنة وليس تتضمن الأقرئية التعليل بالأعلمية بالسنة ألا يرى أنه قال بعده فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ولذااستدل به جماعة لأبي يوسف واستدلوا لمختار المصنف بما أخرجه الحاكم يؤم القوم أقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأفقههم في الدين فإن كانوا في الفقه سواء فأقرؤهم للقرآن ولا يؤم الرجل في سلطانه ولا يقعد على تكرمته إلا بإذنه وسكت عنه وهو معلول بالحجاج بن أرطاة والحق أن عبارتهم فيه لا تفحش ولكن لا تقوى قوة حديث أبي يوسف وأحسن ما يستدل به لمختار المصنف حديث مروا أبا بكر فليصل بالناس وكان ثمة من هو أقرأمنه لا أعلم دليل الأول قوله صلى الله عليه وسلم أقرؤكم أبي ودليل الثاني قول أبي سعيد كان أبو بكر أعلمنا وهذا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون المعول عليه وفي المجتبى فإن استويا في العلم وأحدهما أقرأ فقدموا غيره أساءوا ولا يأثمون قوله فأورعهم الورع اجتناب الشبهات والتقوى اجتناب المحرمات والله سبحانه وتعالى أعلم بالحديث وروى الحاكم عنه صلى الله عليه وسلم إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم خياركم فإن صح وإلا فالضعيف غير الموضوع يعمل به في فضائل الأعمال ثم محله ما بعد التساوي في العلم والقراءة والذي في حديث الصحيح بعدهما التقديم بأقدمية الهجرة وقد انتسخ وجوب الهجرة فوضعوا مكانها الهجرة عن الخطيا وفي حديث والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب إلا أن يكون أسلم في دار الحرب فإنه تلزمه الهجرة إلى دار الإسلام فإذا هاجر فالذي نشأ في دار الإسلام أولى منه إذا استويا فيما قبلها وكذا إذا استويا في سائر الفضائل إلا أن أحدهما أقدم ورعا قدم وحديث وليؤمكما أكبركما تقدم في باب الأذان فإن كانوا سواء في السن فأحسنهم خلقا فإن كانوا سواء فأشرفهم نسبا فإن كانوا سواء فأصبحهم وجها وفسر في الكافي حسن الوجه بأن يصلي بالليل كأنه ذهب إلى ما روى عنه صلى الله عليه وسلم من صلى بالليل حسن وجهه بالنهار والمحدثون لا يثبتونه والحديث في ابن ماجه عن إسماعيل بن محمد الطلحي عن ثابت بن موسى الزاهد عن شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعا من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار قال أبو حاتم كتبته عن ثابت فذكرته لابن نمير فقال الشيخ يعني ثابتا لا بأس به والحديث منكر قال أبو حاتم والحديث موضوع وقال الحاكم دخل ثابت بن موسى على شريك بن عبدالله القاضي والمستملي بين يديه وشريك يقول حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر المتن فلما نظر إلى ثابت بن موسى قال من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار وإنما أراد ثابتا لزهده وورعه فظن ثابت أنه متن ذلك السند فكان يحدث به بذلك السند وإنما هو قول شريك ومنهم من جعله من قول شريك عقب ذكر متن ذلك السند وهو يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم الحديث الثابت فأدرجه ثابت وجميع المحدثين على بطلانه ثم إن استووا في الحسن فأشرفهم نسبا فإن كانوا سواء في هذه كلها أقرع بينهم أو الخيار إلى القوم واختلف في المسافر والمقيم قيل هما سواء وقيل المقيم أولى وفي الخلاصة رجل يصلح للإمامة يؤم أهل محلة غير محلته في رمضان ينبغي أن يخرج إلى تلك المحلة قبل وقت العشاء فلو ذهب بعده كره كما يكره السفر بعد دخول وقت الجمعة وفيها في موضع آخر إن كان الإمام يتنحنح عند القراءة إن لم يكن كثيرا لا بأس به وإن كثر فغيره أولى منه إلا أن يكون يتبرك بالصلاة خلفه فهو أفضل قوله ويكره تقديم العبد الخ فلو اجتمع المعتق والحر الأصلي واستويا في العلم والقراءة فالحر الأصلي أولى وحاصل كلامه أن الكراهة فيمن سوى الفاسق للتنفير والجهل ظاهر وفي الفاسق للأول لظهور تساهله في الطهارة ونحوها وفي الدراية قال أصحابنا لا ينبغي أن يقتدي بالفاسق إلا في الجمعة لأن في غيرها يجد إماما غيره اه يعني أنه في غير الجمعة بسبيل من أن يتحول إلى مسجد آخر ولا يأثم في ذلك ذكره في الخلاصة وعلى هذا فيكره في الجمعة إذا تعددت إقامتها في المصر على قول محمد وهو المفتي به لأنه بسبيل من التحول حينئذ وفي المحيط لو صلى خلف فاسق أو مبتدع أحرز ثواب الجماعة لكن لا يحرز ثواب المصلي خلف تقي اه يريد بالمبتدع من من لم يكفر ولا بأس بتفصيله الإقتداء بأهل الأهواء جائز إلا الجهمية والقدرية والروافض الغالية والقائل بخلق القرآن والخطابية والمشبهة وجملته أن من كان من أهل قبلتنا ولم يغل حتى لم يحكم بكفره تجوز الصلاة خلفه وتكره ولا تجوز الصلاة خلف منكر الشفاعة والرؤية وعذاب القبر والكرام الكاتبين لأنه كافر لتوارث هذه الأمور عن الشارع صلى الله عليه وسلم ومن قال لا يرى لعظمته وجلاله فهو مبتدع كذا قيل وهو مشكل على الدليل إذا تأملت ولا يصلي خلف منكر المسح على الخفين والمشبه إذا قال له تعالى يد ورجل كما للعباد فهو كافر ملعون وإن قال جسم لا كالأجسام فهو مبتدع لأنه ليس فيه إلا إطلاق لفظ الجسم عليه وهو موهم للنقص فرفعه بقوله لا كالأجسام فلم يبق إلا مجرد الإطلاق وذلك معصية تنتهض سببا للعقاب لما قلنا من الإيهام بخلاف ما لو قاله على التشبيه فإنه كافر وقيل يكفر بمجرد الإطلاق أيضا وهو حسن بل هو أولى بالتكفير وفي الروافض أن من فضل عليا على الثلاثة فمبتدع وإن أنكر خلافة الصديق أو عمر رضي الله عنهما فهو كافر ومنكر المعراج إن أنكر الإسراء إلى بيت المقدس فكافر وإن أنكر المعراج منه فمبتدع انتهى من الخلاصة إلا تعليل إطلاق الجسم مع نفي التشبيه وروى محمد عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله أن الصلاة خلف أهل الأهواء لا تجوز وبخط الحلواني تمنع الصلاة خلف من يخوض في علم الكلام ويناظر أصحاب الأهواء كأنه بناه على ما عن أبي يوسف أنه قال لا يجوز الإقتداء بالمتكلم وإن تكلم بحق قال الهندواني يجوز أن يكون مراد أبي يوسف رحمه الله من يناظر في دقائق علم الكلام وقال صاحب المجتبي وأما قول أبي يوسف لا تجوز الصلاة خلف المتكلم فيجوز أن يريد الذي قرره أبو حنيفة حين رأى ابنه حمادا يناظر في الكلام فنهاه فقال رأيتك تناظر في الكلام وتنهاني فقال كنا نناظر وكأن على رءوسنا الطير مخافة أن يزل صاحبنا وأنتم تناظرون وتريدون زلة صاحبكم ومن أراد زلة صاحبه فقد أراد كفره فهو قد كفر قبل صاحبه فهذا هو الخوض المنهي عنه وهذا المتكلم لا يجوز الاقتداء به واعلم أن الحكم بكفر من ذكرنا من أهل الأهواء مع ما ثبت عن أبي حنيفة والشافعي رحمهم الله من عدم تكفير أهل القبلة من المبتدعة كلهم محمله أن ذلك المعتقد نفسه كفر فالقائل به قائل بما هو كفر وإن لم يكفر بناء على كون قوله ذلك عن استفراغ وسعه مجتهدا في طلب الحق لكن جزمهم ببطلان الصلاة خلفه لا يصحح هذا الجمع اللهم إلا أن يراد بعدم الجواز خلفهم عدم الحل أي عدم حل أن يفعل وهو لا ينافي الصحة وإلا فهو مشكل والله سبحانه أعلم بخلاف مطلق اسم الجسم مع نفي التشبيه فإنه يكفر لاختياره إطلاق ما هو موهم للنقص بعد علمه بذلك ولو نفى التشبيه فلم يبق منه إلا التساهل والإستخفاف بذلك وفي مسئلة تكفير أهل الأهواء قول آخر ذكرته في الرسالة المسماة بالمسايرة ويكره الإقتداء بالمشهور بأكل الربا ويجوز بالشافعي بشروط نذكرها في باب الوتر إن شاء الله تعالى وهل يجوز اقتداء الحنفي في الوتر بمن يرى قول أبي يوسف ومحمد فيه نذكره فيه أيضا إن شاء الله تعالى قوله لقوله صلى الله عليه وسلم صلوا خلف كل بر وفاجر تمامه في رواية الدارقطني وصلوا على كل بر وفاجر وجاهدوا مع كل بر وفاجر وأعله بأن مكحولا لم يسمع من أبي هريرة ومن دونه ثقات وحاصله أنه من مسمى الإرسال عند الفقهاء وهو مقبول عندنا ورواه بطريق آخر بلفظ آخر وأعله وقد روى هذا المعنى من عدة طرق للدارقطني وأبي نعيم والعقيلي كلها مضعفة من قبل بعض الرواة وبذلك يرتقي إلى درجة الحسن عند المحققين وهو الصواب قوله ولا يطول بهم الإمام يستثني صلاة الكسوف فإن السنة فيها التطويل حتى تنجلي الشمس قوله لقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء وفي لفظ لمسلم الصغير والكبير والضعيف والمريض وذا الحاجة وفيهما عن أنس ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بحثنا أن التطويل هو الزيادة على القراءة المسنونة فإنه صلى الله عليه وسلم نهى عنه وكانت قراءته هي المسنونة فلا بد من كون ما نهى عنه غير ما كان دأبه إلا لضرورة وقراءة معاذ لما قال له صلى الله عليه وسلم ما قال كانت بالبقرة على ما في مسلم أن معاذ افتتح سورة البقرة فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف وقوله صلى الله عليه وسلم له إذا أممت بالناس فاقرأ بالشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى واقرأ باسم ربك والليل إذا يغشى لانها كانت العشاء لأنها المورد في الصحيحين صلى معاذ رضي الله عنه العشاء فطول عليهم فانصرف رجل منا فصلى وحده فأخبر معاذ عنه فقال إنه منافق فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال له الحديث ووقع عند أبي داود أنها كانت المغرب ووقع في مسند أحمد أن السورة كانت اقتربت الساعة قال النووي فيجمع بأنهما قصتان لشخصين فإن الرجل قيل فيه حزم وقيل حازم وقيل حزام وقيل سليم وقد يقال إن معاذا لم يكن ليفعله بعد نهيه صلى الله عليه وسلم إياه مرة لتصير له قصتان ورد البيهقي رواية المغرب قال روايات العشاء أصح ثم معلوم أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد العموم إذ نعلم أنه لم يرد التسوية بين سائر الصلوات في القراءة حتى تكون المغرب كالفجر فتحمل على العشاء وإن قوم معاذ كان العذر متحققا فيهم لا كسل منهم فأمر فيهم بذلك لذلك كما ذكر أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بالمعوذتين في الفجر فلما فرغ قالوا له أوجزت قال سمعت بكاء صبي فخشيت أن تفتن أمه وعلى هذا لا حاجة إلى التخصيص بالمورد بل هو على العموم فيما التطويل فيه سنة قوله لأنها لا تخلو الخ صريح في أن ترك التقدم لإمام الرجال محرم وكذا صرح الشارح وسماه في الكافي مكروها وهو الحق أي كراهة تحريم لأن مقتضى المواظبة على التقدم منه صلى الله عليه وسلم بلا ترك الوجوب فلعدمه كراهة التحريم فاسم المحرم مجاز واستلزم ما ذكر أن جماعة النساء تكره كراهة تحريم لأن ملزوم متعلق الحكم أعني الفعل المعين ملزوم لذلك الحكم ثم شبهها بجماعة العراة فاقتضى أنها أيضا تكره كذلك لاتحاد اللازم وهو أحد الأمور إما ترك واجب التقدم وإما زيادة الكشف الذي هو أفحش من كشف المرأة إذا تقدمت وهي لابسة ثوبا محشوا من قرنها إلى قدمها فإن الكراهة ثابتة في حقها أيضا ولا كشف عورة فكيف بالعاري المتعرض للنظر أو زيادة كشف عورة يقدر على ستر بعضها ثم ثبوت كراهة تقدمها وهي بهذا الستر المذكور إنما يتم الإستدلال عليه بفعل عائشة فقط لما أتت فإنها ما تركت واجب التقدم إلا لأمر هو أوجب منه والله أعلم ما هو ألذلك القدر من الإنكشاف الملازم لشخوصها عنهن أو هو لنفس شخوصها عنهن شبيهة بالرجال أو لغير ذلك واعلم أن جماعتهن لا تكره في صلاة الجنازة لأنها فريضة وترك التقدم مكروه فدار الأمر بين فعل المكروه بفعل الفرض أو ترك الفرض لتركه فوجب الأول بخلاف جماعتهن في غيرها ولو صلين فرادى فقد تسبق إحداهن فتكون صلاة الباقيات نفلا والتنفل بها مكروه فيكون فراغ تلك موجبا لفساد الفرضية للصلاة الباقيات كتقييد الخامسة بالسجدة لمن ترك القعدة الأخيرة قوله فإن فعلن قامت الإمام وسطهن لأن ترك التقدم أسهل من زيادة الكشف ولا بد من أحدهما ولو تقدمت صح ومقتضى ما علم من التقرير أن تأثم به قوله وحمل فعلها على ابتداء الإسلام وهكذا في المبسوط قال السروجي فيه بعد فإنه صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة كما رواه البخاري ومسلم ثم تزوج عائشة رضي الله عنها وبنى بها بالمدينة وهي بنت تسع سنين وبقيت عنده تسع سنين وما تؤم إلا بعد بلوغها فأين ذلك من ابتداء الإسلام لكن يمكن أن يقال إنه منسوخ فعلته حين كان النساء يحضرن الجماعة انتهى وفي نقل التزوج بها بعض خلل يعني يحمل قوله ابتداء الإسلام على أنه منسوخ لكن ما في المستدرك أنها كانت تؤذن وتقيم وتؤم النساء فتقوم وسطهن وما في كتاب الآثار لمحمد أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي أن عائشة رضي الله عنها كانت تؤم النساء في شهر رمضان فتقوم وسط ومعلوم أن جماعة التراويح إنما استقرت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وما في أبي داود عن أم ورقة بنت عبدالله بن الحارث بن عمير الأنصارية أن النبي صلى الله عليه وسلم لما غزا بدرا قالت له يا رسول الله ائذن لي في الغزاة معك أمرض مرضاكم ثم لعل الله يرزقني شهادة قال قرىء في بيتك فإن الله يرزقك الشهادة قال فكانت تسمى الشهيدة وكانت قد قرأت القرآن فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ في دارها مؤذنا يؤذن لها قال وكانت دبرت غلاما لها وجارية فقاما إليها بالليل فغماها بقطيفة لها حتى ماتت وذهبا فأصبح عمر فقام في الناس فقال من عنده من هذين علم أو من رآهما فليجيء بهما فأمر بهما فصلبا فكانا أول مصلوب بالمدينة

ثم أخرجه عن الوليد بن جميع عن عبدالرحمن بن خلاد عنها وفيه وكان صلى الله عليه وسلم يزورها وجعل لها مؤذنا وأمرها أن تؤم أهل دارها

قال عبدالرحمن فأنا رأيت مؤذنها شيخا كبيرا كلها ينفي ثبوت النسخ

وفي الحديث الأخير الوليد بن جميع وعبدالرحمن بن خالد الأنصاري قال فيهما ابن القطان لا يعرف حالهما انتهى وقد ذكرهما ابن حبان في الثقات وقد يجاب بجواز كونه إخبارا عن مواظبة كانت قبل النسخ

صفحة ٣٥٤