فتح القدير على الهداية

ابن الهمام ت. 861 هجري
204

فتح القدير على الهداية

الناشر

دار الفكر

رقم الإصدار

الثانية

مكان النشر

بيروت

فروع يجوز السجود على الحشيش والتبن والقطن والطنفسة إن وجد حجم الأرض وكذا الثلج الملبد فإن كان بحال يغيب فيه وجهه ولا يجد الحجم لا وعلى العجلة على الأرض تجوز كالسرير لا إن كانت على البقر كالبساط المشدود بين الأشجار وعلى العرزال والحنطة والشعير يجوز لا على الدخن والأرز لعدم الإستقرار وعلى ظهر مصل صلاته للضرورة لا من هو في غيرها أو ليس في الصلاة لعدم الضرورة فلو ارتفع موضع السجود عن موضع القدمين قدر لبنة أو لبنتين منصوبتين جاز لا إن زاد قوله سنة عندنا بناء على أن لفظ أمرت مستعمل فيما هو أعم من الندب والوجوب وهو معنى طلب مني ذلك ثم هو في الجبهة وجوب وفي غيرها معها ندب أو في الندب بخصوصه بناء على أن السنة السجود على الجبهة هذا على قول الشافعية القائلين بأن قول الراوي أمرنا ونهينا يحمل على الندب والكراهة بناء على أن الأول حقيقة في كل منه ومن الوجوب والثاني فيه وفي التحريم فيحمل على المتيقن بخلاف صيغتي الأمر والنهي بعينهما فإنهما للوجوب والتحريم فقط وأما على قولنا فلا إذ قد استدل أصحابنا على التحريم بلفظ نهى نحو نهى عن السلم في الحيوان بناء على أنه إخبار عن تحقق صيغة النهي وحقيقتها التحريم اتفاقا فيثبت التحريم بالمخبر عنه أعني الصيغة لا بنفس لفظ نهي وأمر فيحتاج إلى صارف عن الوجوب وليس يظهر إلا ظهور أن المراد السجود وهو يحصل بدون ذلك وبهذه الكيفية غير أنه بهذه الكيفية أزين فيكون سنة ولقائل أن يقول هذا محتمل في الصرف إذ يجوز أن يطلب ما هو زينة السجود حتما فلا يعدل عن الوجوب نعم لا يكون فرضا كيف والظاهر المواظبة منه عليه الصلاة والسلام عليه هذا ومختار الفقيه أبي الليث على ما أسلفناه عنه في أوائل باب الأنجاس من أن المصلي إذا لم يضع ركبتيه على الأرض لا يجزئه وأنه رد رواية عدم وجوب طهارة مكان الركبتين في الصلاة فهو يشير إلى الإفتراض وما اخترته من الوجوب ولزوم الإسم بالترك مع الإجزاء كترك الفاتحة أعدل إن شاء الله تعالى وأما افتراض وضع القدم فلأن السجود مع رفعهما بالتلاعب أشبه منه بالتعظيم والإجلال ويكفيه وضع أصبع واحدة وفي الوجيز وضع القدمين فرض فإن وضع إحداهما دون الأخرى جاز ويكره قوله فإن سجد على كور عمامته روى أبو نعيم من حديث ابن عباس في الحلية في ترجمة إبراهيم بن أدهم حدثنا أبو يعلى الحسين بن محمد الزبيري حدثنا أبو الحسن عبدالله بن موسى الحافظ الصوفي البغدادي حدثنا لاحق حدثنا الحسن بن علي الدمشقي حدثنا محمد بن فيروز المصري حدثنا بقيت بن الوليد حدثنا إبراهيم بن أدهم عن أبيه أدهم بن منصور العجلي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسجد على كور عمامته ورواه الطبراني في الأوسط بسنده عن عبدالله بن أبي أوفى قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد على كور عمامته ورواه ابن عدي في الكامل من حديث عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن عبدالرحمن بن سابط عن جابر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد على كور العمامة وقد ضعف عمرو بن شمر وجابر الجعفي كذاب ورواه الحافظ أبو القاسم تمام بن محمد الرازي في فوائده حدثنا محمد بن إبراهيم بن عبدالرحمن أخبرنا أبو بكر أحمد بن عبدالرحمن بن أبي حصين الأنطرسوسي حدثنا كيد بن عبيد حدثنا سويد بن عبدالعزيز بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسجد على كور العمامة وأخرجه البيهقي في سننه عن هشام عن الحسن قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجدون وأيديهم في ثيابهم ويسجد الرجل منهم على عمامته وذكره البخاري في صحيحه تعليقا فقال وقال الحسن كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ويداه في كميه وروى ابن أبي شيبة حدثنا شريك عن حسين بن عبدالله عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب واحد يتقي بفضوله حر الأرض وبردها ورواه أحمد وإسحق بن راهويه وأبو يعلى والطبراني وابن عدي في الكامل وأعله حسين بن عبدالله وضعفه عن ابن معين والنسائي والمديني قال وهو عندي ممن يكتب حديثه فإني لم أجد له حديثا منكرا وهو حسين بن عبدالله بن عبيدالله بن العباس بن عبدالمطلب وبمعناه ما أخرجه الستة عن أنس كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن وجهه من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه والإتفاق على أن الحائل ليس بمانع من السجود ولم يزد ما نحن فيه إلا بكونه متصلا به ويمنع تأثير ذلك في الفساد لو تجرد عن المنقولات فكيف وفيه ما سمعت وإن تكلم في بعضها كفى البعض الآخر ولو تم تضعيف كلها كانت حسنة لتعدد الطرق وكثرتهما وقد روى من غير الوجوه التي ذكرناها أيضا ويكفي ما نقله الحسن البصري عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه يقوى ظن صحة المرفوعات إذ ليس معنى الضعيف الباطل في نفس الأمر بل ما لم يثبت بالشروط المعتبرة عند أهل الحديث مع تجويز كونه صحيحا في نفس الأمر فيجوز أن تقترن قرينة تحقق ذلك وإن الراوي الضعيف أجاد في هذا المتن المعين فيحكم به مع أن اعتبار التبعية في الحائل يقتضي عدم اعتباره حائلا فيصير كأنه سجد بلا حائل ولا يجوز مس المصحف بكمه كما لا يجوز بكفه ولو بسط كمه على نجاسة فسجد عليه لا يجوز في الأصح وإن كان المرغيناني صحح الجواز فليس بشيء هذا وما ذكر في التجنيس من علامة الميم أنه يكره السجود على كور العمامة لما فيه من ترك التعظيم لا يراد به أصل التعظيم وإلا لم يصح بل نهايته وهذا لأن الركن فعل وضع للتعظيم ولأن المشاهد من وضع الرجل الجبهة في العمامة على الأرض ناكسا لغيره عده تعظيما أي تعظيم هذا في الحائل التابع أما الحائل الذي هو بعضه فقد اختلفوا فيه فلو سجد على كفيه وهي على الأرض قيل لا يجوز وصحح الجواز أو على فخذه قيل لا يجوز ولو بعذر وقيل يجوز بلا عذر وليس بشيء يلتفت إليه بل لا يحل عندي نقله كي لا يشتهر وصحح الجواز بعذر لا بدونه وعلى ركبتيه لا يجوز في الوجهين ولم نعلم فيه خلافا لكن إن كان بعذر كفاه باعتبار ما في ضمنه من الإيماء وكان عدم الخلاف فيه لكون السجود يقع على حرف الركبة وهو لا يأخذ قدر الواجب من الجبهة في التجنيس لو سجد على حجر صغير إن كان أكثر الجبهة على الأرض يجوز وإلا فلا والذي ينبغي ترجيح الفساد على الكف والفخذ قوله وأبد ضبعيك غريب وإنما رواه عبدالرزاق عن ابن عمر قال أخبرنا سفيان الثوري عن آدم بن علي البكري قال رآني ابن عمر وأنا أصلي لا أتجافى عن الأرض بذراعي فقال يا ابن أخي لا تبسط بسط السبع وادعم على راحتيك وأبد ضبعيك فإنك إذا فعلت ذلك سجد كل عضو منك ورفعه ابن حبان بلفظ وجاف عن ضبعيك قوله إذا سجد جافى أخرجه مسلم كان إذا سجد جافى حتى لو شاءت بهمة أن تمر بين يديه لمرت ورواه الحاكم والطبراني وقالا فيه بهيمة وعلى الباء ضمة بخط بعض الحفاظ على تصغير بهمة قيل وهو الصواب وفتحها خطأ قوله لقوله صلى الله عليه وسلم إذا سجد الخ المحفوظ رواية ذلك من فعله وقد تقدم في بعض ما أسلفناه وفي البخاري في حديث أبي حميد كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قال فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة قوله لأنه صلى الله عليه وسلم كان يختم بالوتر غريب والله سبحانه وتعالى أعلم قوله فلا يزاد على النص عدم الزيادة لا يستلزم القول بالسنية لجواز الوجوب والمواظبة والأمر من قوله فليقل اجعلوها يقتضيه إلا لصارف بخلاف قول أبي مطيع بافتراضها فإنه مشكل جدا وقيل في الصارف إنه عدم ذكرها للأعرابي عند تعليمه فيكون أمر استحباب قالوا ويكره تركها ونقصها من الثلاث والتصريح بأنه أمر استحباب يفيد أن هذه الكراهة كراهة تنزيه قوله لما روينا أي من أنه كان يكبر عند كل خفض ورفع قوله والأصح روى عن أبي حنيفة إن كان إلى القعود أقرب جاز وإلا فلا وعنه إذا رفع قدر ما تمر الريح بينه وبين الأرض جاز وروى أبو يوسف عنه إن رفع قدر ما يسمى رافعا جاز قال في المحيط هو الأصح وتعليل المصنف مختاره بأنه يعد يقتضي اعتباره أن تلك الرواية هي رواية أبي يوسف في المعنى واختيارها اختيارها وقال ابن مقاتل إذا رفع بحيث لا يشكل على الناظر أنه رفع جاز فإن أراد الناظر عن بعد فهو معنى مختار المصنف وإلا فهو معنى الرواية الثانية ثم اعتقادي أنه إذا لم يستو صلبه في الجلسة والقومة فهو آثم لما تقدم قوله ولا يعتمد بيديه على الأرض ولكن على ركبتيه قوله فعل ذلك في البخاري عن مالك بن الحويرث أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا قوله ولنا حديث أبي هريرة أخرجه الترمذي عن خالد بن إياس عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهض في الصلاة على صدور قدميه قال الترمذي حديث أبي هريرة عليه العمل عند أهل العلم وخالد بن إياس ويقال ابن إياس ضعيف عند أهل الحديث وكذا أعله ابن عدي به قال وهو مع ضعفه يكتب حديثه قال ابن القطان والذي أعل به خالد موجود في صالح وهو الإختلاط فلا معنى للتخصيص انتهى بالمعنى وقول الترمذي العمل عليه عند أهل العلم يقتضي قوة أصله وإن ضعف خصوص هذا الطريق وهو كذلك أخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنه كان ينهض في الصلاة على صدور قدميه ولم يجلس وأخرج نحوه عن علي وكذا عن ابن عمر وابن الزبير وكذا عن عمر وأخرج عن الشعبي قال كان عمر وعلي وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينهضون في الصلاة على صدور أقدامهم وأخرج عن النعمان بن أبي عياش أدركت غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا رفع أحدهم رأسه من السجدة الثانية في الركعة الأولى والثالثة نهض كما هو ولم يجلس وأخرجه عبدالرزاق عن ابن مسعود وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم وأخرجه البيهقي عن عبدالرحمن بن يزيد أنه رأى ابن مسعود فذكر معناه فقد اتفق أكابر الصحابة الذين كانوا أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشد اقتفاء لأثره وألزم لصحبته من مالك بن الحويرث رضي الله عنه على خلاف ما قال فوجب تقديمه ولذا كان العمل عليه عند أهل العلم كما سمعته من قول الترمذي وعن ابن عمر أنه نهى صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة رواه أبو داود وفي حديث وائل أنه صلى الله عليه وسلم إذا نهض اعتمد على فخذيه والتوفيق أولى فيحمل ما رواه على حالة الكبر ولذا روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لا تبادروني في ركوع ولا سجود فإن مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني إذا سجدت إني قد بدنت أخرجه أبو داود هذا ويكره تقديم إحدى الرجلين عند النهوض ويستحب الهبوط باليمين والنهوض بالشمال قوله لقوله صلى الله عليه وسلم غريب بهذا اللفظ وقد روى الطبراني بسنده عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن حين يفتتح الصلاة وحين يدخل المسجد الحرام فينظر إلى البيت وحين يقوم على المروة وحين يقف مع الناس عشية عرفة وبجمع والمقامين حين يرمي الجمرة وذكره البخاري معلقا في كتابه المفرد في رفع اليدين فقال وقال وكيع عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما عنه صلى الله عليه وسلم لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن في افتتاح الصلاة وفي استقبال الكعبة وعلى الصفا والمروة وبعرفات وبجمع وفي المقامين وعند الجمرتين وقال قال شعبة لم يسمع الحكم عن مقسم إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها فهو مرسل وغير محفوظ قال وأيضا فهم يعني أصحابنا خالفوا هذا الحديث في تكبيرات العيدين وتكبيرة القنوت انتهى وقال في الإمام اعترض عليه بوجوه تفرد ابن أبي ليلى وترك الإحتجاج به ورواه وكيع عنه بالوقف على ابن عباس وابن عمر قال الحاكم ووكيع أثبت من كل من روى هذا عن ابن أبي ليلى وبرواية جماعة من التابعين بأسانيد صحيحة عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما أنهما كانا يرفعان أيديهما عند الركوع وبعد رفع الرأس منه وقد أسنداه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبأنه روى عن الحكم قال في جميع الروايات ترفع الأيدي وليس في شيء منها لا ترفع إلا فيها ويستحيل أن يكون لا ترفع إلا فيها صحيحا وقد تواترت الأخبار بالرفع في غيرها كثيرا فمنها الإستسقاء ودعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا حاصله وأحسنها أن الحصر غير مراد لما ذكر من ثبوت الرفع في غير المذكورة فإذا ثبت عند الركوع والرفع منه وجب القول به وقد ثبت وهو ما أخرجه الستة عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عبدالله بن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه ثم كبر فإذا أراد أن يركع فعل مثل ذلك وإذا رفع من الركوع فعل مثل ذلك ولا يفعله حين يرفع رأسه من السجود وجوابه المعارضة بما في أبي داود والترمذي عن وكيع عن سفيان الثوري عن عاصم بن كليب عن عبدالرحمن بن الأسود عن علقمة قال قال عبدالله بن مسعود ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ولم يرفع يديه إلا في أول مرة وفي لفظ فكان يرفع يديه في أول مرة ثم لا يعود قال الترمذي حديث حسن وأخرجه النسائي عن ابن المبارك عن سفيان الخ وما نقل عن ابن المبارك أنه قال لم يثبت عندي حديث ابن مسعود فغير ضائر بعد ما ثبت بالطريق التي ذكرنا والقدح في عاصم بن كليب غير مقبول فقد وثقه ابن معين وأخرج له مسلم حديثه في الهدى وغيره عن علي وفي عبدالرحمن بأنه لم يسمع من علقمة باطل لأنه عن رجل مجهول وقد ذكره ابن حبان في كتاب الثقات وقال مات سنة تسع وتسعين وسنه سن إبراهيم النخعي وما المانع حينئذ من سماعه من علقمة والإتفاق على سماع النخعي منه وصرح الخطيب في كتاب المتفق والمفترق في ترجمة عبدالرحمن هذا أنه سمع أباه وعلقمة وما قيل إن الحديث صحيح وإنما المنكر فيه على وكيع زيادة ثم لا يعود نقل عن الدارقطني ومحمد بن نصر المروزي وابن القطان فإنما هو ظن ظنوه ولذا نسب غير هؤلاء الوهم إلى سفيان الثوري كالبخاري في كتابه في رفع اليدين وقال ابن أبي حاتم إنه سأل أباه عنه فقال هذا خطأ يقال وهم فيه الثوري فعرفنا أنه لما روى من طرق بدون هذه الزيادة ظنوها خطأ واختلفوا في الغالط وغاية الأمر أن الأصل رواه مرة بتمامه ومرة بعضه بحسب تعلق الغرض وبالجملة فزيادة العدل الضابط مقبولة خصوصا وقد توبع عليها فوراه ابن المبارك فيما قدمناه من رواية النسائي وأخرج الدارقطني وابن عدي عن محمد بن جابر عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلم يرفعوا أيديهم إلا عند استفتاح الصلاة واعترف الدارقطني بتصويب إرسال إبراهيم إياه عن ابن مسعود وتضعيف ابن جابر وقول الحاكم فيه أحسن ما قيل فيه إنه يسرق الحديث من كل من يذاكره فممنوع قال الشيخ في الإمام العلم بهذه الكلية متعذر وأحسن من ذلك قول ابن عدي كان إسحاق بن أبي إسرائيل يفضل محمد بن جابر على جماعة هم أفضل منه وأوثق وقد روى عنه من الكبار أيوب وابن عوف وهشام بن حسان والثوري وشعبة وابن عيينة وغيرهم ولولا أنه في المحل الرفيع لم يرو عنه هؤلاء ومما يؤيد صحة هذه الزيادة رواية أبي حنيفة من غير الطريق المذكور وذلك أنه اجتمع مع الأوزاعي بمكة في دار الحناطين كما حكى ابن عيينة فقال الأوزاعي ما بالكم لا ترفعون عند الركوع والرفع منه فقال لأجل أنه لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيء فقال الأوزاعي كيف لم يصح وقد حدثني الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وعند الركوع وعند الرفع منه فقال أبو حنيفة حدثنا حماد عن إبراهيم عن علقمة والأسود عن عبدالله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه إلاعند افتتاح الصلاة ثم لا يعود لشيء من ذلك فقال الأوزاعي أحدثك عن الزهري عن سالم عن أبيه وتقول حدثني حماد عن إبراهيم فقال أبو حنيفة كان حماد أفقه من الزهري وكان إبراهيم أفقه من سالم وعلقمة ليس بدون من ابن عمر في الفقه وإن كانت لابن عمر صحبة وله فضل صحبة فالأسود له فضل كثير وعبدالله عبدالله فرجح بفقه الرواة كما رجح الأوزاعي بعلو الإسناد وهو المذهب المنصور عندنا وروى الطحاوي ثم البيهقي من حديث الحسن بن عياش بسند صحيح عن الأسود قال رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه رفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود قال ورأيت إبراهيم والشعبي يفعلان ذلك وعارضه الحاكم برواية طاوس بن كيسان عن ابن عمر رضي الله عنهما كان يرفع يديه في الركوع وعند الرفع منه وروى الطحاوي عن أبي بكر النهشلي عن عاصم بن كليب عن أبيه أن عليا رضي الله عنه رفع يديه في أول التكبير ثم لم يعد وما في الترمذي عن علي رضي الله عنه عنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر ورفع يديه حذو منكبيه ويصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته وأراد أن يركع ويصنعه إذا رفع من الركوع ولا يرفع يديه في شيء من الصلاة وهو قاعد وإذا قام من السجدتين رفع كذلك صححه الترمذي فمحمول على النسخ للإتفاق على نسخ الرفع عند السجود واعلم أن الآثار عن الصحابة والطرق عنه صلى الله عليه وسلم كثيرة جدا والكلام فيها واسع من جهة الطحاوي وغيره والقدر المتحقق بعد ذلك كله ثبوت رواية كل من الأمرين عنه صلى الله عليه وسلم الرفع عند الركوع وعدمه فيحتاج إلى الترجيح لقيام التعارض ويترجح ما صرنا إليه بأنه قد علم بأنه كانت أقوال مباحة في الصلاة أفعال من جنس هذا الرفع وقد علم نسخها فلا يبعد أن يكون هو أيضا مشمولا بالنسخ خصوصا وقد ثبت ما يعارضه ثبوتا لا مرد له بخلاف عدمه فإنه لا يتطرق إليه احتمال عدم الشرعية لأنه ليس من جنس ما عهد فيه ذلك بل من جنس السكون الذي هو طريق ما أجمع على طلبه في الصلاة أعني الخشوع وكذا بأفضلية الرواة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قاله أبو حنيفة للأوزاعي وروى أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال ذكر عنده وائل بن حجر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه عند الركوع وعند السجود فقال أعرابي لم يصل مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة أرى قبلها قط أفهو أعلم من عبدالله وأصحابه حفظ ولم يحفظوا وفي رواية وقد حدثني من لا أحصى عن عبدالله أنه رفع يديه في بدء الصلاة فقط وحكاه عن النبي صلى الله عليه وسلم وعبدالله عالم بشرائع الإسلام وحدوده متفقد لأحوال النبي صلى الله عليه وسلم ملازم له في إقامته وأسفاره وقد صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يحصى فيكون الأخذ به عند التعارض أولى من إفراد مقابله ومن القول بسنية كل من الأمرين والله سبحانه وتعالى أعلم قوله هكذا روت عائشة رضي الله عنها الذي في مسلم عن عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير إلى أن قالت وكان يفترش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى وفي النسائي عن ابن عمر عن أبيه رضي الله عنهما قال من سنة الصلاة أن ينصب قدمه اليمنى واستقباله بأصابعها القبلة والجلوس على اليسرى قوله روى ذلك في حديث وائل غريب والذي في الترمذي من حديث وائل قلت لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جلس يعني للتشهد افترش رجله اليسرى ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى ونصب رجله اليمنى من غير زيادة على ذلك وفي مسلم كان صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه كلها وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى ولا شك أن وضع الكف مع قبض الأصابع لا يتحقق فالمراد والله أعلم وضع الكف ثم قبض الأصابع بعد ذلك عند الإشارة وهو المروي عن محمد في كيفية الإشارة قال يقبض خنصره والتي تليها ويحلق الوسطى والإبهام ويقيم المسبحة وكذا عن أبي يوسف رحمه الله في الأمالي وهذا فرع تصحيح الإشارة وعن كثير من المشايخ لا يشير أصلا وهو خلاف الدراية والرواية فعن محمد أن ما ذكرناه في كيفية الإشارة مما نقلناه قول أبي حنيفة رضي الله عنه ويكره أن يشير بمسبحتيه وعن الحلواني يقيم الأصبع عند لا إله ويضعها عند إلا الله ليكون الرفع للنفي والوضع للإثبات وينبغي أن يكون أطراف الأصابع على حرف الركبة لا مباعدة عنها قوله لأن فيه الأمر الخ روى الستة واللفظ لمسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كفى بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن فقال إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل التحيات لله والصلوات الخ وفي لفظ للنسائي إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا فهذا هوالأمر المعروف رواية قوله والألف واللام هي في رواية مسلم وأبي داود وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما ورواية الترمذي والنسائي عنه بالتنكير وأصحاب الشافعي في العمل على هذه الرواية فصح الترجيح على ما ذهبوا إليه وأما زيادة الواو فليست في تشهد ابن عباس في جميع الروايات قوله وتأكيد التعليم يعني به أخذه بيده لزيادة التوكيد ليس في تشهد ابن عباس أما نفس التعليم ففي تشهد ابن عباس رضي الله عنه فإن لفظه كان صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن فكان يقول التحيات لله فقول الزيلعي في التخريج وأما التعليم أيضا فهو في تشهد ابن عباس دفعا لهذا الوجه من الترجيح ليس بوارد ومن وجوه الترجيح أيضا أن الأئمة الستة اتفقوا عليه لفظا ومعنى وهو نادر وتشهد ابن عباس رضي الله عنه معدود في أفراد مسلم وإن رواه غير البخاري من الستة وأعلى درجات الصحيح عندهم ما اتفق عليه الشيخان ولو في أصله فكيف إذا اتفقا على لفظه ولذا أجمع العلماء على أنه أصح حديث في الباب قال الترمذي أصح حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد حديث ابن مسعود والعمل عليه عند أكثر الصحابة والتابعين ثم أخرج عن خصيف قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت له إن الناس قد اختلفوا في التشهد فقال عليك بتشهد ابن مسعود وكقول الترمذي قال الخطابي وابن المنذر وممن وافق ابن مسعود على رفعه معاوية أخرج الطبراني عنه كان يعلم الناس التشهد وهو على المنبر عنه صلى الله عليه وسلم التحيات لله والصلوات الخ سواء وعائشة في سنن البيهقي عنها قالت هذا تشهد النبي صلى الله عليه وسلم التحيات لله والصلوات الخ قال النووي إسناده جيد واستفدنا منه أن تشهده صلى الله عليه وسلم بلفظ تشهدنا وسلمان روى الطبراني والبزار عن أبي راشد قال سألت سلمان عن التشهد فقال أعلمكم كما علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم التحيات لله والصلوات الخ سواء قال أبو حنيفة رضي الله عنه أخذ حماد بن سليمان بيدي وعلمني التشهد وقال حماد أخذ إبراهيم بيدي وعلمني التشهد وقال إبراهيم أخذ علقمة بيدي وعلمني التشهد وقال علقمة أخذ عبدالله بن مسعود بيدي وعلمني التشهد وقال عبدالله أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي وعلمني التشهد كما يعلمني السورة من القرآن وكان يأخذ علينا بالواو والألف واللام قوله لقول ابن مسعود علمني روى الإمام أحمد عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه التشهد فكان يقول إذا جلس في وسط الصلاة وفي آخرها على وركه اليسرى التحيات لله إلى قوله عبده ورسوله قال ثم إن كان في وسط الصلاة نهض حين يفرغ من تشهده وإن كان في آخرها دعا بعد تشهده بما شاء الله أن يدعو ثم يسلم وأحاديث الدعاء بعد التشهد في آخر الصلاة كثيرة شهيرة في الصحيحين وغيرهما قوله لحديث أبي قتادة في الصحيحين عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورتين وفي الأخريين بفاتحة الكتاب ويسمعنا الآية أحيانا ويطيل في الركعة الأولى ما لا يطيل في الثانية وهكذا في الصبح وهذا لا يعم الصلوات والذي يعمها ما في مسند إسحاق بن راهوية عن رفاعة بن رافع الأنصاري كان عليه الصلاة والسلام يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة وفي الأخريين بفاتحة الكتاب قوله هو الصحيح احتراز عن رواية الحسن عن أبي حنيفة أنها واجبة يلزم بتركها السهو قوله ضعفه الطحاوي تقدم في حديث رفع اليدين وتكلم البيهقي معه واختصر الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد للطحاوي قوله أو يحمل على حالة الكبر فيكون متعلقا بالعارض لا مشروعا أصليا وهو أولى للجمع بين الحديثين قوله وهو واجب عندنا أي في القعدتين قوله للأمر المتقدم أي في حديث ابن مسعود قوله فيهما أي في التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإنهما من الفرائض عنده قوله إذا قلت هذا تقدم أنها مدرجة من ابن مسعود وأن هذا المدرج الموقوف له حكم المرفوع ومع هذا نقول في الجواب قد أوجبنا التشهد فخرجنا عن عهدة الأمر الثابت بخبر الواحد وأما الصلاة في الصلاة فلا دليل يصلح للإيجاب لنقول به قال القاضي عياض وقد شذ الشافعي رحمه الله فقال من لم يصل عليه فصلاته فاسدة ولا سلف له في هذا القول ولا سنة يتبعها وشنع عليه فيه جماعة منهم الطبري والقشيري وخالفه من أهل مذهبه الخطابي وقال لا أعلم له قدوة والتشهدات المرويات عن ابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وجابر وأبي سعيد وأبي موسى وابن الزبير رضي الله عنهم لم يذكر فيها ذلك وما روى عنه عليه الصلاة والسلام لا صلاة لمن لم يصل علي ضعفه أهل الحديث كلهم ولو صح فمعناه كاملة أو لمن لم يصل علي مرة في عمره

صفحة ٣١٧