فتح القدير على الهداية

ابن الهمام ت. 861 هجري
195

فتح القدير على الهداية

الناشر

دار الفكر

رقم الإصدار

الثانية

مكان النشر

بيروت

ولهما ما روى أبو يوسف بسنده وكذا من قدمنا معه أنه صلى الله عليه وسلم حين شغلهم الكفار يوم الأحزاب عن أربع صلوات عن الظهر والعصر والمغرب والعشاء قضاهن على الولاء وأمر بلالا أن يؤذن ويقيم لكل واحدة منهن ولأنها صلاة مفروضة يقيمها المخاطب بالإقامة بالجماعة فيقيمها كالجماعة بخلاف النساء وصلاة عرفة لو كان على القياس لم يعارض النص فكيف وهما على خلاف القياس قال الرازي يجوز كون ما قال محمد قولهم جميعا والمذكور في الكتاب محمول على الصلاة الواحدة فلا خلاف واستشكل بأن الصلاة الواحدة لا خلاف فيها قوله ووجه الفرق أي ما بين الأذان جنبا ومحدثا على إحدى الروايتين في المحدث وهي رواية عدم الكراهة قوله أن للأذان شبها بالصلاة وجهه تعلق أجزائهما بالوقت واشتراكهما في استقبال القبلة يشترط فيهما كذا قيل وهو يقتضي أن يعاد الأذان إذا لم يستقبل به كما يعاد إذا كان قبل الوقت وليس كذلك فالأولى أن يقال إنه مطلوب فيهما وإن اختلفت كيفية الطلب قوله وفي الجامع الصغير ذكره لاشتماله على ما ليس في القدورى من الإعادة لأن الكراهة وهي المذكورة فيه لا تستلزم الإعادة كأذان القاعد والراكب في المصر يكره ولا إعادة وليبني عليه المختار من التفصيل في الإعادة والله أعلم قوله وكذلك المرأة الخ فحاصله أنه يكره أذان جماعة ويعاد أذان الصبي الذي لا يعقل والمرأة والجنب والسكران والمجنون والمعتوه لعدم الإعتماد على أذان هؤلاء فلا يلتفت إليهم فربما ينتظر الناس الأذان المعتبر والحال أنه معتبر فيؤدى إلى تفويت الصلاة أو الشك في صحة المؤدى أو إيقاعها في وقت مكروه وهذا لا ينتهض في الجنب وغاية ما يمكن أنه يلزم فسقه وصرح بكراهة أذان الفاسق ولا يعاد فالإعادة فيه ليقع على وجه السنة وفي الخلاصة خمس خصال إذا وجدت في الأذان والإقامة وجب الإستقبال إذا غشى على المؤذن في أحدهما أو مات أو سبقه الحدث فذهب وتوضأ أو حصر فيه ولا ملقن أو خرس يجب الإستقبال وفي فتاوى قاضيخان معناه فإن حمل الوجوب على ظاهره احتيج إلى الفرق بين نفس الأذان فإنه سنة واستقباله بعد الشروع فيه وتحقق العجز عن إتمامه وقد يقال فيه إذا شرع فيه ثم قطع تبادر إلى ظن السامعين أن قطعه للخطأ فينتظرون الأذان الحق وقد تفوت بذلك الصلاة فوجب إزالة ما يفضي إلى ذلك بخلاف ما إذا لم يكن أذان أصلا حيث لا ينتظرون بل يراقب كل منهم وقت الصلاة بنفسه أو ينصبون لهم مراقبا إلا أن هذا يقتضي وجوب الإعادة فيمن ذكرناهم آنفا إلا الجنب ولو قال قائل فيهم إن علم الناس حالهم وجبت وإلا استحبت ليقع فعل الأذان معتبرا وعلى وجه السنة لم يبعد وعكسه في الخمس المذكورة في الخلاصة وأذان العبد والأعمى والأعرابي وولد الزنا لا كراهة فيه وغيرهم أولى منهم وإذا قدم بعض كلمات الأذان على بعض كشهادة أن محمدا رسول الله ثم شهادة أن لا إله إلا الله فعليه أن يقول أشهد أن محمدا رسول الله بعدها قوله ولا يؤذن لصلاة قبل دخول وقتها ويكره ذلك ويعاد وبه قال أبو يوسف والشافعي رحمهما الله إلا في الفجر على ما في الكتاب وفي رواية عندهم جميع الليل وقت لأذان الصبح لهم قوله عليه الصلاة والسلام إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم قوله والحجة على الكل الخ رواه أبو داود عن شداد مولى عياض بن عامر عن بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا ومد يده عرضا ولم يضعفه أبو داود وأعله البيهقي أن شداد لم يدرك بلالا فهو منقطع وابن القطان بأن شدادا مجهول أيضا لا يعرف بغير رواية جعفر بن برقان عنه وروى البيهقي أنه صلى الله عليه وسلم قال يا بلال لا تؤذن حتى يطلع الفجر قال في الإمام رجال إسناده ثقات وروى عبدالعزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أن بلالا أذن قبل الفجر فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ما حملك على ذلك قال استيقظت وأنا وسنان فظننت أن الفجر قد طلع فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينادي على نفسه ألا إن العبد قد نام وروى ابن عبدالبر عن إبراهيم قال كانوا إذا أذن المؤذن بليل قالوا له اتق الله وأعد أذانك وهذا يقتضي أن العادة الفاشية عندهم إنكار الأذان قبل الوقت فثبت أن أذانه قبل الفجر قد وقع وأنه صلى الله عليه وسلم غضب عليه وأمره بالنداء على نفسه ونهاه عن مثله فيجب حمل ما رووه على أحد أمرين إما أنه من جملة النداء عليه يعني لا تعتمدوا على أذانه فإنه يخطىء فيؤذن بليل تحريضا له على الإحتراس عن مثله وإما أن المراد بالأذان التسحير بناء على أن هذا إنما كان في رمضان كما قاله في الإمام فلذا قال فكلوا واشربوا أو التذكير الذي يسمى في هذا الزمان بالتسبيح ليوقظ النائم ويرجع القائم كما قيل إن الصحابة كانوا حزبين حزبا يجتهدون في النصف الأول وحزبا في الأخير وكان الفاصل عندهم أذان بلال رضي الله عنه يدل عليه ما روى عنه صلى الله عليه وسلم لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال فإنه يؤذن ليوقظ نائمكم ويرقد قائمكم وقد روى أبو الشيخ عن وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت ما كان المؤذن يؤذن حتى يطلع الفجر قوله لابني أبي مليكة الصواب مالك بن الحويرث وابن عم له وقد ذكره المصنف في الصرف على الصواب كما ذكره صاحب المبسوط وفخر الإسلام في الجامع والمحبوبي في الصحيح عن مالك بن الحويرث أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وصاحب لي فلما أردنا الإنتقال من عنده قال لنا إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما وفي رواية للترمذي أنا وابن عم لي فهي مفسرة للمراد بالصاحب وإذا كان هذا الخطاب لهما ولا حاجة لهما مترافقين إلى استحضار أحد علم أن المنفرد أيضا يسن له ذلك

صفحة ٢٥٤