فتح القدير على الهداية

ابن الهمام ت. 861 هجري
185

فتح القدير على الهداية

الناشر

دار الفكر

رقم الإصدار

الثانية

مكان النشر

بيروت

والمراد الظهر لأنه جواب السؤال عنها قوله وتأخير العصر حاصله أن تأخيرها إلى تغير القرص مكروه ويستحب ما لم يصل إلى ذلك وإنما يستحب أن يؤخرها ليتوسع في النوافل لا إلى التغير بل يصليها والشمس بيضاء كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم وما روى عنه صلى الله عليه وسلم في حديث والعصر والشمس حية متفق عليه وأول وقت العصر عند أبي حنيفة من صيرورة الظل مثلين مع فيء الزوال ومنه إلى التغير ليس كثيرا جدا فلا بعد في كون الأداء قبل ذلك الوقت داخلا في مسمى التعجيل غير أنه ليس تعجيلا شديدا وروى الحسن في الفصل بين أذان الظهر والصلاة أن يصلي بعده ركعتين كل ركعة بعشر آيات أو أربعا كلا بخمس آيات وروى الدارقطني عن عبدالواحد بن نافع قال دخلت مسجد المدينة فأذن مؤذن بالعصر وشيخ جالس فلامه وقال إن أبي أخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بتأخير هذه الصلاة فسألت عنه فقالوا هذا عبدالله بن رافع بن خديج وضعف بعبد الواحد ورواه البخاري في تاريخ الكبير وقال لا يتابع عليه يعني عبدالواحد والصحيح عن رافع غيره ثم أخرج عن رافع كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العصر ثم ينحر الجزور فيقسم عشر قسم ثم يطبخ فنأكل لحما نضيجا قبل أن تغيب الشمس وعندي أنه لا تعارض بين هذين فإنه إذا صلى العصر قبل تغير الشمس أمكن في الباقي إلى الغروب مثل هذا العمل ومن يشاهد المهرة من الطباخين في الأسفار مع الرؤساء لم يستبعد ذلك قوله ويستحب تعجيل المغرب هو بأن لا يفصل بين الأذان والإقامة إلا بجلسة خفيفة أو سكتة على الخلاف الذي سيأتي وتأخيرها لصلاة ركعتين مكروه وهي خلافية وستذكر في باب النوافل إن شاء الله تعالى قال في القنية إلا أن يكون قليلا وما روى الأصحاب عن ابن عمر رضي الله عنه أنه أخرها حتى بدا نجم فأعتق رقبة يقتضي أن ذلك القليل الذي لا يتعلق به كراهة هو ما قبل ظهور النجم وفي المنية لا يكره في السفر وللمائدة أو كان يوم غيم وفي القنية لو أخرها بتطويل القراءة فيه خلاف وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يكره ما لم يغب الشفق ولا يبعد ودليل الكراهة التشبه باليهود وأما قوله صلى الله عليه وسلم لا تزال أمتي بخير الخ وهو ما روى أبو داود عن مرثد بن عبدالله وفي سنده محمد بن إسحاق قال قدم علينا أبو أيوب غازيا وعقبة بن عامر يومئذ على مصر فأخر المغرب فقام إليه أبو أيوب فقال ما هذه الصلاة يا عقبة قال شغلنا قال أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تزال أمتي بخير أو قال على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم فيه نظر إذ مقتضاه ندب وبتقديره تفويت ما ندب إليه لا تثبت الكراهة لجواز الإباحة كما في العشاء يندب تأخيرها إلى ما قبل الثلث ويصليها إذ ذاك فإن لم يفعل إلى النصف انتفى الندب وكان مباحا وما بعده مكروه وحاصل الحديث ضمان الخير والفطرة أي السنة بالتعجيل ولا يلزم ثبوت ضدهما في التأخير لجواز حصولهما معه بسبب آخر وهذا إنما يلزم من استدل بالحديث على كراهة تأخيرها وليس بلازم في كلام المصنف لجواز كونه فيه دليلا على قوله ويستحب تعجيل المغرب هذا إن صح الحديث بتوثيق ابن إسحق وهو الحق الأبلج وما نقل عن مالك فيه لا يثبت ولو صح لم يقبله أهل العلم كيف وقد قال شعبة فيه هو أمير المؤمنين في الحديث وروى عنه مثل الثوري وابن إدريس وحماد بن زيد ويزيد بن زريع وابن علية وعبدالوارث وابن المبارك واحتمله أحمد وابن معين وعامة أهل الحديث غفر الله لهم وقد أطال البخاري في توثيقه في كتاب القراءة خلف الإمام له وذكره ابن حبان في الثقات وأن مالكا رجع عن الكلام في ابن إسحاق واصطلح معه وبعث إليه هدية ذكرها قوله لقوله عليه الصلاة والسلام لولا أن أشق على أمتي روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه وقال حسن صحيح قوله وهو قطع السمر المنهي عنه على ما روى الستة في كتبهم أنه صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبلها والحديث بعدها رووه مطولا ومختصرا وأجاز العلماء السمر بعدها في الخير واستدلوا بما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته فلما سلم قال أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد وروى الترمذي في الصلاة والنسائي في المناقب عن عمر رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر عند أبي بكر رضي الله عنه الليلة في الأمر من أمر المسلمين وأنا معه قال الترمذي حديث حسن ورواه الإمام أحمد عن عبدالله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سمر بعد الصلاة يعني العشاء الأخيرة إلا الأحد رجلين مصل أو مسافر وفي رواية أو عروس وحديث من خاف أن لا يقوم رواه مسلم وتمامه فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل قوله فتثبت الإباحة فيه نظر لأن المعنى أن التأخير إلى نصف الليل ملزوم لأمرين مكروه وهو تقليل الجماعة ومندوب وهو قطع السمر وإذا لزم من تحصيل المندوب كقطع السمر ارتكاب مكروه ترك على ما عرف في مسائل فينبغي كون التأخير إلى النصف مطلوب الترك فلا يكون مباحا لأنه لا ترجيح في أحد طرفي المباح والله الموفق $ فصل في الأوقات التي تكره فيها الصلاة

صفحة ٢٣٠