فتح المنعم شرح صحيح مسلم

موسى شاهين لاشين ت. 1430 هجري
98

فتح المنعم شرح صحيح مسلم

الناشر

دار الشروق

رقم الإصدار

الأولى (لدار الشروق)

سنة النشر

١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٢ م

تصانيف

ومع هذه المعونة الكبرى خرج المسلمون في قلة من الظهر، ركبانهم بالنسبة لمشاتهم ندرة وقليل، والوقت صيف والحر شديد. وبهذه الحالة قطعوا أربع عشرة مرحلة. في اتجاه دمشق، حتى وصلوا إلى موضع سمي "تبوك". وصلوا وقد بلغ بهم الجهد، واشتد بهم العطش، ولم يسعفهم ماء عين تبوك الناضبة، فكانوا ينحرون البعير، فيشربون ما في كرشه من الماء. فطلب الرسول ﷺ قليلا من ماء عين تبوك، فغسل وجهه ويديه بشيء منه، ثم أعاده فيها، فجرت العين، فاستقى الناس، وانفرجت عسرة الماء، ولكن ما لبثوا بعد ذلك أن خفت أزوادهم. ونفد طعام أكثرهم، وأملقوا، وأصابتهم مجاعة كبرى، ولجئوا إلى النوى بعد نفاد التمر يمصون النواة كغذاء، ويشربون عليها الماء. وهب الناس إلى رسول الله ﷺ يستأذنونه في ذبح ما تبقى لديهم من إبلهم التي يركبونها وينضحون عليها الماء. قالوا: يا رسول الله: لو أذنت لنا ذبحنا إبلنا، فسددنا منها رمقنا، وادخرنا للشدة ما يمكن ادخاره من لحم ودهن. ولم ير رسول الله ﷺ منقذا - من هذه الضائقة - إلا أن يأذن لهم، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا. ورأى عمر الناس يعقلون إبلهم لنحرها، فقال لهم: ما شأنكم؟ قالوا: استأذنا رسول الله ﷺ في نحرها، فأذن لنا، فقال: وما بقاؤكم بعد إبلكم؟ أمسكوا حتى ألقى رسول الله ﷺ. ودخل عمر فزعا على النبي ﷺ، فقال: يا رسول الله ما بقاء الناس بعد إبلهم؟ فسكت رسول الله ﷺ وكأنه يقول: وماذا ينقذ الناس غير ذلك؟ - وتذكر عمر ما كان من جريان عين تبوك بعد نضوب، وهو يؤمن بمعجزات النبي ﷺ ويطمع في رحمة الله لإنقاذ المسلمين على يد نبيه، فقال: يا رسول الله، لو جمعت ما بقي من أزواد القوم وطعامهم، فدعوت الله عليها بالبركة لكان ذلك خيرا. وسكت الرسول ﷺ للمرة الثانية، إنه لم يكن يغيب عنه ما أشار به عمر، بل كان يؤمن بأن الله لن يخيب رجاءه إذا رجاه، ولكنه ﷺ كان يقصد تعويد الأمة على الاعتماد على نواميس الحياة دون خوارق العادات، أما وقد طلبت المعجزة - من عمر - فالطريق الموافقة عليها والاستجابة لطالبها. فقال: نعم يا عمر. ناد في الناس فليأتوا ببقايا أطعمتهم، ثم مد فراش الطعام ليلقوا عليه ما يجمعون. فنادى عمر: فجعل الرجل يلقي بما يملأ الكف من الذرة، والآخر يلقي بما يملأ الكف من القمح، والآخر يلقي بما يملأ الكف من التمر، والآخر يلقي بالكسرة التي يملكها، حتى صاحب النوى ألقى بنواه، فاجتمع على النطع من ذلك كله شيء يسير. فقام رسول الله ﷺ فدعا وبرك عليه.

1 / 99