فتح المغيث بشرح ألفية الحديث

شمس الدين السخاوي ت. 902 هجري
131

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث

محقق

علي حسين علي

الناشر

مكتبة السنة

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٤ هجري

مكان النشر

مصر

وَكَذَا مَا أَبْدَاهُ الْكَرْخِيُّ مِنَ الِاحْتِمَالَاتِ فِي الْمَنْعِ أَيْضًا بَعِيدٌ - كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا - " فَإِنَّ أَمْرَ الْكِتَابِ ظَاهِرٌ لِلْكُلِّ، فَلَا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ الْوَاحِدُ دُونَ غَيْرِهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّنَزُّلِ فَهُوَ مَرْفُوعٌ ; لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ وَغَيْرَهُ إِنَّمَا تَلَقَّوْهُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ وَأَمْرُ الْأُمَّةِ لَا يُمْكِنُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ مِنَ الْأُمَّةِ، وَهُوَ لَا يَأْمُرُ نَفْسَهُ. وَأَمْرُ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ إِنْ أَرَادَ مِنَ الصَّحَابَةِ مُطْلَقًا فَبَعِيدٌ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ مِنْهُمْ، وَإِنْ أَرَادَ مِنَ الْخُلَفَاءِ فَكَذَلِكَ ; لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ فِي مَقَامِ تَعْرِيفِ الشَّرْعِ بِهَذَا الْكَلَامِ وَالْفَتْوَى، فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الشَّرْعُ، وَبِالْجُمْلَةِ فَهُمْ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ لَا يَحْتَجُّونَ بِأَمْرِ مُجْتَهِدٍ آخَرَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ لَيْسَ مِنْ مُجْتَهِدِي الصَّحَابَةِ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُرِيدُ بِالْآمِرِ أَحَدَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْهُمْ. وَحَمْلُهُ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِنْبَاطِ بَعِيدٌ أَيْضًا ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: " أُمِرْنَا بِكَذَا " يُفْهَمُ مِنْهُ حَقِيقَةُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، لَا خُصُوصُ الْأَمْرِ بِاتِّبَاعِ الْقِيَاسِ، وَمَا قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي الصِّدِّيقِ فَهُوَ - كَمَا قَالَ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ - مَقْبُولٌ، وَإِنْ تَأَمَّرَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِي غَزْوَةِ " ذَاتِ السَّلَاسِلِ " عَلَى جَيْشٍ فِيهِ الشَّيْخَانِ، أَرْسَلَ بِهِمَا النَّبِيُّ ﷺ فِي مَدَدٍ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِ أَبَا عُبَيْدَةَ الْجَرَّاحَ، فَلَمَّا قَدِمَ بِهِمْ عَلَى عَمْرٍو صَارَ الْأَمِيرَ، بَلْ كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَمِيرَ سَرِيَّةِ " الْخَبَطِ " عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فِيهِمْ عُمَرُ، وَأَظُنُّ أَبَا بَكْرٍ أَيْضًا. وَكَذَا «تَأَمَّرَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَلَى جَيْشٍ هُمَا فِيهِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَخَلْقٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَتُوُفِّيَ ﷺ قَبْلَ خُرُوجِهِ، فَأَنْفَذَهُ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ أَنِ اسْتُخْلِفَ ; امْتِثَالًا لِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ» . وَقِيلَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ سَأَلَ أُسَامَةَ أَنْ يَأْذَنَ لِعُمَرَ فِي الْإِقَامَةِ، فَأَذِنَ لَهُ، وَفِي شَرْحِهَا طُولٌ.

1 / 145