وذلك لأن وفاة المغيرة كانت سنة خمسين من الهجرة، بينما توفي الحسن في سنة إحدى وخمسين (^١).
على كل حال، نستطيع أن نقول أن أمير المؤمنين معاوية ﵁ سار في هذا الأمر الهام على نسق خطوات متتالية، ولعلَّنا نحاول أن نستنبط بعضها من خلال بعض الروايات التي بين أيدينا، وذلك فيما يلي:
الخطوة الأولى: معاوية يفكر في الأمر، ويستشير فيه بعض خواصِّه:
هكذا شأن كل أريب حصيف، لا يبادر بإخراج قرارات مصيرية، دون تفكير عميق وتؤدة، واستشارة من لهم حلم وعقل ممن حوله، ومعاوية -بلا شك- من أولى الناس بهذا.
فعن مسلمة بن محارب قال: «لما أراد معاوية أن يبايع ليزيد كتب إلى زياد يستشيره، فبعث زياد إلى عبيد بن كعب النميري، فقال: إن لكل مستشير ثقة، ولكل سر مستودع، وإن الناس قد أبدعت (^٢) بهم خصلتان: إذاعة السر، وإخراج النصيحة إلى غير أهلها، وليس موضع السر إلا أحد رجلين: رجل آخرة يرجو ثوابا، ورجل دنيا له شرف في نفسه وعقل يصون حسبه، وقد عجمتهما (^٣) منك، فأحمدت الذي قبلك، وقد دعوتك لأمر اتهمت عليه بطون الصحف (^٤)، إن أمير المؤمنين كتب إلي يزعم أنه قد عزم على بيعة يزيد، وهو يتخوف نفرة الناس، ويرجو مطابقتهم، ويستشيرني، وعلاقة أمر الإسلام وضمانه عظيم، ويزيد صاحب رسلة (^٥) وتهاون، مع ما قد أولع به من الصيد، فالق أمير المؤمنين مؤديا عني، فأخبره عن فعلات يزيد، فقال له: رويدك بالأمر، فأقمن أن يتم لك ما تريد، ولا تعجل فإن دركا في تأخير خير من تعجيل عاقبته الفوت.
فقال عبيد له: أفلا غير هذا!
قال: ما هو؟
(^١) مرويات خلافة معاوية في تاريخ الطبري (ص: ٣٦٣).
(^٢) أي: أضرَّت بهم.
(^٣) أي: خبرتهما.
(^٤) أي: خائف من ذيوعه وانتشاره إذا كتبته في كتاب.
(^٥) أي: كسل.
1 / 178