قال الطبريُّ: «فكُتب كتاب القضية بين علي ومعاوية- فيما قيل- يوم الأربعاء، لثلاث عشرة خلت من صفر، سنة سبع وثلاثين من الهجرة، على أن يوافي علي ومعاوية موضع الحكمين بدومة الجندل في شهر رمضان، مع كل واحد منهما أربعمائة من أصحابه وأتباعه» (^١).
مرويَّاتُ قصة التحكيم:
كثُر الكلام حول قصة التحكيم، وتداولها المؤرخون والكتَّاب على أنها حقيقة ثابتة لا مرية فيها، فهم ما بين مُطيل ومختصر في سياقها، وشارح ومستنبط للدروس وبانٍ للأحكام على مضامينها، وقلَّما نجد أحدًا وقف عندها فاحصًا مدققًا!
وقد أحسن ابن العربي في ردها إجمالًا، وإن كان غير مفصل، فقال: «وقد تحكم الناس في التحكيم، فقالوا فيه ما لا يرضاه الله، وإذا لحظتموه بعين المروءة -دون الديانة- رأيتم أنها سخافة حمل على سطرها في الكتب في الأكثر عدمُ الدين، وفي الأقل جهلٌ متين» (^٢).
والراجح من ناحية الحكم العلمي على الروايات: أن جميع متون قصة التحكيم لا تثبت (^٣)، ولا تقوم لها قائمة أمام معيار النقد والتقييم العلمي، وذلك من وجوه:
أولًا: أن جميع طرقها ضعيفة، وأقوى طريق وقفنا عليه لها: ما صحَّ عن الزهري -مرسلًا- أنه قال:
«فأصبح أهل الشام قد نشروا مصاحفهم، ودعوا إلى ما فيها، فهاب أهل العراقين، فعند ذلك حكَّموا الحكمين، فاختار أهلُ العراق أبا موسى الأشعريَّ، واختار أهل الشام عمرو بن العاص، فتفرَّق أهل صفِّين حين حكم الحكمان، فاشترطا أن يرفعا ما رفع القرآن، ويخفضا ما خفض القرآن، وأن يختارا لأمة محمد ﷺ، وأنهما يجتمعان بدومة الجندل، فإن لم يجتمعا لذلك اجتمعا من العام المقبل بأذرح.
_________
(^١) تاريخ الطبري (٥/ ٥٦ - ٥٧).
(^٢) العواصم من القواصم (ص: ١٧٢).
(^٣) انظر هذه الروايات في: تاريخ الطبري (٥/ ٤٨ - ٥٦)، مرويات أبي مخنف (ص: ٣٧٧ - ٤٠١).
1 / 104