فتح المجيد شرح كتاب التوحيد - حطيبة

أحمد حطيبة ت. غير معلوم
93

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد - حطيبة

تصانيف

وصايا الرسول لقادته يقول المصنف ﵀: ولهما -يعني: البخاري ومسلم - عن سهل بن سعد ﵁: (أن رسول الله ﷺ قال يوم خيبر: لأعطين الراية غدًا رجلًا يحب الله ويحبه الله ورسوله). كانت خيبر سنة سبعة من هجرة النبي ﷺ، ففي يوم خيبر قال النبي ﷺ للمسلمين: (لأعطين الراية غدًا رجلًا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله)، كونه يقول: سنعطي الراية لمن هذه صفته فكل المسلمين يتمنون ذلك: (فبات الناس يدوكون ليلتهم) باتوا يخوضون فيمن سيستلم الراية غدًا، وكل منهم يتمنى أن يكون هذا الذي يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، قال: (فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها. فلما أصبحوا غدوا على رسول الله ﷺ كلهم يرجو أن يعطاها). نلاحظ أن النبي ﷺ ما كان يولي أحدًا يطلب الولاية، عادة النبي ﷺ في المسلمين أن الذي يطلب ولاية أنه ما كان يعطيه، وكان يقول: (إنا لا نولي هذا الأمر من طلبه)، لكن المسلمين كانوا يطلبونها في تلك الليلة خاصة لينالوا شرف قول النبي ﷺ: (ويحبه الله ورسوله)، رجاء أن يكون هذا الشخص يحبه الله ورسوله. فقال النبي ﷺ: (أين علي بن أبي طالب؟)، وفي الحديث نفسه في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع يقول: كان عليًا أرمد، كان في هذه الليلة قد أصابه رمد في عينيه فلا يرى شيئًا، فكاد يتخلف عن النبي ﷺ، فقال في نفسه: أنا أتخلف عن رسول الله ﷺ؟ فخرج علي ﵁ وما كانوا يرجونه. يعني: ما كان على بال أحد أبدًا أن يأتي عليًا رضي الله ﵎ عنه؛ لأنه موجود في المدينة وعينيه فيها رمد ولا يقدر على القتال، فعلى ذلك تخلف، ومع ذلك خرج ليدرك النبي ﷺ، فلما خرج لحق بالنبي ﷺ، فلما قال النبي ﷺ ذلك: (أين علي بن أبي طالب؟ قيل: هو يشتكي عينيه. قال: فأرسلوا إليه)، فلما جاء علي رضي الله ﵎ عنه أتي به فبصق في عينيه ودعا له النبي ﷺ، فبرئت عينه ﵁ وصحت، قال: (فبصق في عينيه ودعا له فبرئ كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية، فقال: انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام). يقول النبي ﷺ: (انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام)، يعني: لا تقاتلهم مباشرة، ولكن ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، (فو الله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم). فالنبي ﷺ يبين أن الهداية إلى دين الله سبحانه والاهتداء أفضل من القتال والجهاد، وأن هؤلاء لو يهديهم الله طائعين أفضل من أن تكرههم بالجهاد في سبيل الله ﷿، حتى لو كان رجلًا واحدًا يهديه الله ﷿ على يديك. يقول النبي ﷺ في رواية: (إني دافع اللواء إلى رجل يحبه الله ورسوله) واللواء هو العلم الذي يذهب به في القتال، فهنا كان للنبي ﷺ راية ولواءً، وكأن أحدهما أكبر من الآخر. يقول شيخ الإسلام: (ليس هذا الوصف مختصًا بـ علي ولا بالأئمة؛ فإن الله ورسوله يحبان كل مؤمن تقي يحب الله ورسوله)، يعني: بعض الناس يأخذ من قول النبي ﷺ: (لأعطين الراية غدًا لرجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله) ويقصرها على علي فقط، فيقول شيخ الإسلام: إن الأمر ليس محصورًا في علي فقط، ولكن في هذا اليوم ذكر له النبي ﷺ ذلك تمييزًا وتفضيلًا، ولكن ليس معناه أنه فقط هو الذي يحبه الله دون سائر المؤمنين، وقد قال الله ﷿: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [آل عمران:٣١]، إذًا: كل من يطع الله يحبه الله سبحانه بدلالة هذه الآية. لما ذكر النبي ﷺ في الحديث أن هذا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، وأعطى الراية لـ علي ﵁، وبصق في عينه ﵊، ودعا له فبرئ، وفي رواية أخرى يقول علي: فما رمدت ولا صدعت منذ دفع النبي ﷺ إلي الراية. يعني: من هذا اليوم لم يصب علي ﵁ برمد ولا صداع بعدما تفل النبي ﷺ في عينيه ودعا له. ثم قال له النبي ﷺ: (انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام). الإسلام هو: الاستسلام لله سبحانه ﵎ والخضوع لله والعبودية له وحده. لذلك فالإنسان المسلم لا بد أن يتأمل هذه الكلمة، فلا يعصي الله ويقول: أنا مسلم لله سبحانه أي: مسلم نفسي مذعن لأمر الله، مطيع مستسلم له، فذلك ينافي أن يعصيه وأن يستكبر على الله سبحانه ﵎. فالإسلام استسلام كامل لله سبحانه ﵎، ولذلك جاء في الحديث أن النبي ﷺ لما سئل عن الإسلام قال: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت). الإسلام أعمال ظاهرة تفيد استسلامًا وانقيادًا لله سبحانه ﵎. يقول شيخ الإسلام ﵀: ودين الإسلام الذي ارتضاه الله وبعث به رسله هو الاستلام له وحده، فأصله في القلب، والخضوع له وحده بعبادته وحده دون ما سواه، فمن عبد الله وعبد معه إلهًا آخر لم يكن مسلمًا. فهذا لم يستسلم لله، فلا بد وأن تكون العبادة خالصة للرب وحده لا شريك له. ومن استكبر عن عبادته لم يكن مسلمًا، والأصل: أن الإسلام هو استسلام بالقلب، وعمل القلب يعبر عنه اللسان بقول لا إله إلا الله، أما الإيمان فأصله: تصديق القلب وإقراره ومعرفته، فهو من باب القول القلبي المتضمن عمل القلب. في قول النبي ﷺ: (فو الله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم) حمر: جمع أحمر، وبهيمة الأنعام عند العرب أفضلها وأنفسها وأغلاها عندهم النوع الأحمر من الإبل ونحوها، فالنبي ﷺ يقول: إذا هدى الله ﷿ بك رجلًا واحدًا هذا أفضل من أن تجمع أنفس وأغلى وأعلى الأموال.

7 / 18