بناء الكعبة على قواعد إبراهيم ثم هدمها
وفي آخر حياته صلوات الله وسلامه عليه، كان يتمنى لو أنه هدم الكعبة، وجعل لها بابين، فقد قال للسيدة عائشة ﵂: (لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لهدمت الكعبة ولبنيتها على قواعد إبراهيم ولجعلت لها بابين).
فتسأله السيدة عائشة عن سبب جعل سلم الكعبة عاليًا، وعدم جعل قواعدها على الأرض، فقال ﷺ: (إن قومك أرادوا ألا يدخل الكعبة إلا من شاءوا) وكانوا يزعمون أنهم أعلى من غيرهم، ولا أحد مثلهم يحب الكعبة، فكان لا يدخل الكعبة إلا من يريدون.
والكعبة ليست على جميع قواعد إبراهيم حتى الآن، وقد أراد النبي ﷺ هدمها، ولما جاء ابن الزبير هدمها ثم بناها على قواعد إبراهيم كما تمنى النبي ﷺ، ثم جاء الخلفاء من بعده فهدموها وأرجعوها ثانية، ولما أرادوا أن يعيدوها في عهد مالك ﵀ قال: دعوها على ما هي، حتى لا تكون ألعوبة للملوك، فأصبحت على ما هي عليه حتى الآن.
فالنبي ﷺ تمنى لو أنه أقامها على قواعد إبراهيم، فهناك ستة أذرع خلف الكعبة تحت الميزاب هي من الكعبة ولكنها الآن خارج الكعبة.
وقد كان أموال العرب كلها حرامًا، وما كان حلالًا فهو قليل، فلما أرادوا بناء الكعبة في الجاهلية اشترطوا أنهم لا يضعون فيها إلا مالًا حلالًا، فلم يجدوا من المال الحلال إلا قليلا، فقصرت نفقتهم عن بناء الكعبة على جميع قواعد إبراهيم، فأخرجوا من الكعبة ستة أذرع أو سبعة أذرع، فالنبي ﷺ قال: (لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لهدمت الكعبة ولبنيتها على قواعد إبراهيم) فهم حديثو عهد بجاهلية، وهذا صحيح فالقوم أسلموا بعد فتح مكة في سنة ثمان للهجرة، وقد كانوا رءوسًا في الكفر ثم أسلموا في هذا الوقت، فلو أن النبي ﷺ هدم الكعبة وبناها على قواعد إبراهيم لثاروا بسبب ذلك، حيث إنهم كانوا يظنون أن المفخرة ستكون للنبي ﷺ وحده إذا قام بما أراد.
وأنتم تعلمون أنهم لما بنوا الكعبة قبل بعثة النبي ﷺ وجاءوا لنصب الحجر تنازعت القبائل حتى كادوا أن يقتتلوا بالسيوف، فاستقر أمرهم على أن يحكم بينهم أول من يخرج عليهم، فكان النبي ﷺ، فقالوا: احكم بيننا فقد رضينا بك حكمًا، فقام النبي صلوات الله وسلامه ﵊ وبسط رداءه ووضع الحجر عليه، وأمر من كل قبيلة برجل يأخذ بهذا الرداء فرفعوه، ثم أخذه هو بيده الكريمة فوضعه في مكانه.
فهناك قاعدة يسمونها بقاعدة سد الذرائع، ما كان ذريعة إلى حرام لا يجوز فعله أو إتيانه حتى لا يقع في الحرام، فهنا النبي ﷺ أراد أن يهدم الكعبة ويعيد بناءها، ولكنه خشي أن يظن من أسلم من قريش أن النبي ﷺ يفعل ذلك من أجل أن يأخذ هذه المفخرة لوحده، فيكفرون مرة أخرى، فترك النبي ﷺ الكعبة على ما هي.
3 / 11