معنى الظلم في قوله تعالى: (ولم يلبسوا إيمانهم بظلم)
وقول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام:٨٢].
في هذه الآية العظيمة ذكر الله ﷿ المؤمنين الذين آمنوا بالله سبحانه، وآمنوا برسوله صلوات الله وسلامه عليه.
قوله: ﴿وَلَمْ يَلْبِسُوا﴾ [الأنعام:٨٢] واللبس بمعنى: الخلط، أي: لم يخلطوا هذا الإيمان بشرك بالله سبحانه.
قال: يقول الله تعالى: (﴿وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام:٨٢] يقول الربيع بن أنس: (الإيمان: الإخلاص لله وحده) يعني: آمن وأخلص لله رب العالمين.
يقول زيد بن أسلم وابن إسحاق: هذا من الله على فصل القضاء بين إبراهيم وقومه.
يعني: أن الله ﷾ قضى للمؤمن أن يكون من أهل جنته إذا لم يلبس إيمانه بظلم، يعني: بشرك.
يقول ابن مسعود ﵄ كما جاء في الصحيحين: أن الصحابة سألوا النبي ﷺ لما نزلت هذه الآية: (أينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله ﷺ: ليس بذلكم، ألم تسمعوا إلى قول لقمان: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان:١٣]).
وجاء في لفظ البخاري عن ابن مسعود: (لما نزلت: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام:٨٢] قلنا: يا رسول الله! أينا لم يظلم نفسه؟) ثم سرد نفس هذا الحديث العظيم.
وكان الصحابة قد فهموا من الآية أن الظلم على عمومه، والظلم يأتي بمعنى الشرك والكفر بالله سبحانه وهو الظلم الأكبر، ويأتي بمعنى الظلم الذي هو دون ذلك، إما كبيرة من الكبائر، وإما صغيرة من الصغائر، فمنه أن يظلم الإنسان غيره، ومنه أن يظلم الإنسان نفسه، فالصحابة فهموا الآية على إطلاقها وعمومها، فقوله: (ولم يلبسوا) أي: ولم يخلطوا إيمانهم بظلم، فقالوا: ومن منا لم يظلم نفسه؟ فلذلك حزنوا وفزعوا من هذه الآية وذهبوا إلى النبي ﷺ وقد شق عليهم ذلك، فقالوا: يا رسول الله، فأينا لا يظلم نفسه؟ فقال ﷺ: (إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: ﴿يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان:١٣]).
ففهموا من حديث النبي ﷺ أن المقصود بقوله تعالى: ﴿وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام:٨٢] أي: لم يخلطوا هذا الإيمان بشرك بالله سبحانه، لذا جاءوا بالتوحيد على حقيقته، ولم يشركوا بالله ﷾ شيئًا.
فالظلم في هذه الآية الأصل أنه على عمومه، ولكن بين النبي ﷺ أن المقصود في هذه الآية: خصوص نوع معين من الظلم وهو الظلم الأكبر، وهو الشرك بالله ﷾.
وفسرها بالآية التي في سورة لقمان، قال تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان:١٣] وهذا أعظم الظلم الذي يظلم الإنسان نفسه به.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: والذي شق عليهم: ظنوا أن الظلم المشروط هو ظلم العبد نفسه، وأنه لا أمن ولا اهتداء إلا لمن لم يظلم نفسه.
وفيها أن من وراء الإيمان الخالص يستفاد الأمن والأمان في الدنيا وفي الآخرة.
في الدنيا: بعصمة الدماء، وبعصمة المال، وبعصمة الأعراض.
وفي الآخرة: ينجيه الله ﷾ من النار.
فلهم هذا الأمن: ﴿وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام:٨٢] أي: يهديهم الله ﷿ في الدنيا إلى هذا الإسلام العظيم، ويزيدهم إيمانًا، ويهديهم في قبورهم للجواب السديد على الملكين في القبر، ويهديهم يوم القيامة لطريق الجنة، فلهم الأمن وهم مهتدون.
فالصحابة خافوا أن أي ظلم يظلم به الإنسان نفسه يخرجه من هذه الآية، فأخبر النبي ﷺ أن المقصود الظلم الأكبر، وهو الشرك بالله ﷾.
3 / 3