54

فتح الباري شرح صحيح البخاري

محقق

مجموعة من المحقيقين

الناشر

مكتبة الغرباء الأثرية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٧ هجري

مكان النشر

المدينة النبوية

بإلقائه في قدر عظيمة مملوءة ماء تغلي عليه فبكى وقال: لم أبك جزعا من الموت، لكن أبكي أنه ليس لي إلا نفس واحدة يفعل بها هذا في الله، لوددت أنه كان لي مكان كل شعرة مني نفسا يفعل بها ذلك في الله ﷿. هذا مع أن التقية في ذلك باللسان جائزة مع طمأنينة القلب بالإيمان كما قال تعالى ﴿إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ﴾ [النحل: ١٠٦] . ولكن الأفضل الصبر وعدم التقية في ذلك. فإذا وجد القلب حلاوة الإيمان أحس بمرارة الكفر والفسوق والعصيان ولهذا قال يوسف ﵇: ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ [يوسف " ٣٣] . سئل ذو النون: متى أحب ربي؟ قال: إذا كان ما يكرهه أمر عندك من الصبر. وقال (١٨٥ - ب /ف) بشر بن السري: ليس من أعلام المحبة أن تحب ما يبغضه حبيبك. واعلم أن القدر الواجب من كراهة الكفر والفسوق والعصيان هو أن ينفر من ذلك ويتباعد منه جهده ويعزم على أن لا يلابس شيئا من جهده لعلمه بسخط الله له وغضبه على أهله. فأما ميل الطبع إلى ما يميل من ذلك - خصوصا لمن اعتاده ثم تاب منه - فلا يؤاخذ به إذا لم يقدر على إزالته، ولهذا مدح الله من نهى النفس عن الهوى، وذلك يدل على أن الهوى يميل إلى ما هو ممنوع منه وأن من عصى هواه كان محمودا عند الله ﷿.

1 / 58