فتح العلي الحميد في شرح كتاب مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد
الناشر
دار الأخيار
تصانيف
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ﷺ.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾
[آل عمران: ١٠٢]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠، ٧١].
أما بعد:
فقد كثر الجدال، وعم النزال حول مسألة «حكم تكفير المعين»، وتجاذبتها اتجاهات متباينة، وتناحرت حولها فرق مختلفة، والأمر مرشح لتفاقم ومزيد اشتعال.
فهذا فريق قد أفرط وغلا، وأراد إلغاء شروط التكفير وشطب موانعه، وظن أن كل من وقع في قول أو فعل قد نص العلماء على أنه من نواقض الإسلام، ومن الأمور المكفرة أنه كافر، دون نظر منهم إلى أن هذا المكفر يناقض أصل الدين، أم أصول الاعتقاد، أم فروع الشريعة القطعية ...
وكذلك دون نظر منهم إلى حال المكلف هل كان حديث عهد بإسلام؟ أم نشأ ببادية بعيدة عن سماع التكليف؟ وهل كان جاهلًا جهلا يعذر به؟ أم كان
1 / 4
مخطئًا؟ أم كان ذاهلًا عن اعتقاده؟
وترتب على هذا: أن حكموا بالكفر، وأجروا أحكامه على أناس من المسلمين، ومن ثم تبرءوا من قوم قد أمرهم الله بموالاتهم، واستحل بعضهم دماء معصومة، ونهبوا أموالا غير مهدرة .....
ومن نافلة القول: أن نبين عظم هذا الذنب، وأن صاحبه على خطر عظيم.
ويكفينا هنا ذكر حديث النبي ﷺ الغني عن التفسير.
فعن عبد الله بن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: «من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما» (١).
****
وقابل هؤلاء فريق فرط وجفا، ووضع شروطا وموانعًا للكفر والذي نفسي بيده قد لا تنطبق على إبليس اللعين وأرادوا إقفال باب الردة وشطب أحكامها ...
وحتى لا يظن ظان أني أبالغ فإليكم نص واحد منهم في كتاب متداول مطبوع.
قال صاحب الكتاب بعد أن ذكر نواقض الإسلام العشرة للإمام محمد بن عبد الوهاب -دون عزو له- بل زاد في نصوصها أمورا أفسدتها، وأبطلت مراد الإمام تمام من ذكرها، وقبل أن أذكر نص الكاتب أذكر بأن الإمام محمد
_________
(١) متفق عليه، صحيح البخاري (٦١٠٤)، وصحيح مسلم (٦٠)، ومسند أحمد (٥٦٤٤)، واللفظ له.
1 / 5
ابن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- لم يجعل مانعًا من إجراء حكم الكفر على كل من وقع في واحد منها إلا الإكراه، الإكراه فقط.
فقال -رحمه الله تعالى- قبل ذكر النواقض: «اعلم أن من أعظم نواقض الإسلام عشرة» (١) ثم ذكرها، ثم قال في خاتمتها:
«ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل، والجاد، والخائف إلا المكره، وكلها من أعظم ما يكون خطرًا، ومن أكثر ما يكون وقوعًا، فينبغي للمسلم أن يحذرها، ويخاف منها على نفسه. نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه، وصلى الله على محمد» (٢).
وأما الكاتب (٣) عفا الله عنا وعنه فقد قال بل ذكر النواقض:
«ونرى أن هناك أمورًا إذا طرأت على المسلم أخرجته من الإسلام، ذلك إذا فعلها عامدًا، مختارًا غير مكره، ولا متأول ولا جاهل».
ثم قام بذكر النواقض على الوجه المذكور آنفًا ثم قال بعدها: «وكل هذه النواقض من فعلها جادًا أو هازلًا، أو خائفًا كفر. إلا أن يكون جاهلًا، أو مكرهًا، أو مخطئًا، أو متأولًا مجتهدًا».
وكل مسلم وقع في شيء مما سبق، فإنه يجب على الناس إقامة الحجة عليه، وإظهار البرهان له على أن فعله كفر، فإن تبين بعد إقامة الحجة عليه أنه مصر على فعله - عنادًا واستكبارًا وجحودًا- فإنه يحكم بكفره.
_________
(١) الدرر السنية (١٠/ ٩١ - ٩٣).
(٢) الدرر السنية (١٠/ ٩١ - ٩٣).
(٣) أعتذر للقارئ بأني سوف أحتفظ باسم الكاتب والكتاب لأن المقصود البيان وليس التشهير، والكتاب من منشورات «دار الزاحم بالرياض».
1 / 6
ونحن الآن لسنا في مقام الرد، ولكن في مقام ضرب مثل على ما قلناه، فالكاتب هنا اشترط شروطا لإجراء حكم الكفر والردة لا تنطبق على إبليس اللعين.
فقد اشترط إقامة الحجة، وإظهار البرهان، ثم إن تبين بعد ذلك «إصراره» أي إذا فعل الكفر بعد ذلك ولم يكن مصرًا عليه فلا يكفر فيا لها من فضحية عافانا الله وكاتبها وجميع المسلمين من كل سوء.
ثم أضاف إلا الإصرار أن يكون المصر معاندًا، مستكبرًا، جاحدًا وإبليس اللعين لم يكن جاحدًا، وكيف يجحد، وقد كان الله -جل في علاه- هو الذي يخاطبه بنفسه الكريمة دون إرسال رسول إليه.
فالكفر عند هؤلاء لا يكون إلا بالاعتقاد كسلفهم من غلاة المرجئة، وأما عن أهل السنة فيقع بالقول، وبالفعل، وبالاعتقاد، وترتب على ما أراد هذا الفريق:
تمييع التوحيد في نفوس الأمة، بسبب تهوين أمر ضده ونقيضه الشرك الأكبر. الحكم بالإسلام على أناس كافرين، ومرتدين عن الملة.
إصباغ الشرعية على الطواغيت وأعوانهم.
تمييع أصل من أصول الإسلام، وركن من أركان الإيمان، وهو وجوب البراءة من المشركين والمرتدين، لأن من حكم بالإسلام عليهم فلابد وحتمًا سوف يقوم بموالاتهم ونصرتهم.
ولكن يجب هنا التفريق بين من قام بنصرة المرتدين على ردتهم ومن أجلها وبين من قام بنصرتهم لأجل إسلامهم -في زعمه- في أمور لا تمس
1 / 7
ردتهم بحال من الأحوال (١).
ومن نافلة القول: أن نبين عظم هذا الذنب، وأن أصحابه على خطر عظيم؛ قال الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- في نواقض الإسلام العشرة: «الناقض الثالث: من لم يكفر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم كفر إجماعًا» (٢).
ولقد حذر الله عباده من موالاة الكافرين، وأبان أن من فعل هذا فقد برئ من الله، وبرئ الله منه، وأنه مقطوع من الصلة والولاية والنصرة الربانية، وأنه يكون بهذا مرتدًا عن الإسلام، ومنسلخًا عن الإيمان.
قال الله تعالى: ﴿لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ [آل عمران: ٢٨].
وبين الفريقين، فريق توسط بينهما، فجنب الهوى، واستفرغ الوسع، وانطرح بين يدي ربه يسأله السداد والتوفيق والهداية ....
فنظر في نصوص الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة وأئمتها واعتمد الشروط والضوابط والموانع التي قررتها الشريعة في هذا المسألة، بغير إفراط ولا تفريط، وبدون جفاء ولا غلو.
_________
(١) يوجد تفصيل واضح لهذه المسألة وما تفرع عليها في شرحنا لهذا الكتاب المبارك.
(٢) الدرر السنية (١٠/ ٩١) أخي القارئ هذه القاعدة لها شروط وضوابط ومناطات مختلفة مذكورة في هذا الكتاب.
1 / 8
ومسألة «تكفير المعين» مسألة عظيمة ينبغي أن يوليها المسلم جل همه، ويصرف لها غالب بحثه ونظره ليظفر ويتيقن بالحق فيها، وينجو من خطر الزلل.
فالحق فيها غال نفيس، وهو بين زلتين عظيمتين، بين تكفير مسلم بغير حق، والحكم بالإسلام على كافر بغير هدى.
وبين إجراء أحكام التكفير على من لم يستحقها من المسلمين، وإجراء أحكام الإسلام على الكافرين.
وبين البراءة ممن أمرك الله بموالاتهم، وموالاة من أمرك الله بمعاداتهم ... فالأمر عظيم وجد خطير.
ولما رأينا كثيرًا من دعاة الفريقين قد أوغلوا في ذكر هذه المسألة الخطيرة بغير حق، وطرحوها على العامة بطريقة قد تعود بآثار سلبية على كثير منهم، بل وقد تقرب بجملة منهم إلى الوقوع في محذور من محذورات نواقض الإسلام، لما رأينا هذا وسمعناه وتحققناه، ترسخ لدي وجوب تقديم شيء لعلي أعذر به أمام الله، ثم أمام نفسي وأمتي.
وكنت دائما أتذكر قول أمير المؤمنين -علي بن أبي طالب ﵁ لما حرق الزنادقة:
إني إذا رأيت أمرًا منكرًا ... أوقدت ناري ودعوت قنبرًا (١)
_________
(١) قال الحافظ: رويناه من حديث أبي طاهر المخلص، وإسناده حسن الفتح (١٢/ ٢٧٠).
1 / 9
وبعد تفتيش وطول بحث، استقر الأمر بداية على شرح رسالة في صلب الموضوع، قد كتبها صاحبها لأجله، وسماها بـ «مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد» للإمام المجدد، العالم الرباني، الإمام محمد بن عبد الوهاب، الذي جدد الله به التوحيد وأصاب به الشرك في مقتل.
...
سبب تأليف الرسالة:
وكان سبب تأليف رسالة «مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد» كما جاء في مقدمتها: أن أهل حريملا قد ارتدوا عن الإسلام فارتاب في حكمهم بعض أدعياء العلم آنذاك، فسئل الشيخ الإمام أن يكتب كلامًا ينفعه الله به.
وكانت ردة أهل حريملا بسبب بغضهم لأهل التوحيد ومعاداتهم وقتالهم، فقام بجهادهم كتائب التوحيد، وفتحوها عنوة، وغنموا أموالها، وقسمها الإمام محمد بن عبد الوهاب بنفسه بين المسلمين (١).
فعند ذلك ثارت ثارات غلاة المرجئة كعادتهم، وبدأ يدب الشك في نفوس المرتابين، والريب في قلوب الزائغين، وصرح القوم بأن المعين من المسلمين لا يمكن تكفيره، إن فعل ما فعل من النواقض، لأنه يقول: «لا إله إلا الله» وينتسب للإسلام ....
فعند ذلك غار الإمام وحق له، وسل قلمه الهمام ليبين حقيقة هؤلاء الأدعياء المنسوبين ظلمًا للعلم والعدل بزعمهم، وأظهر -رحمه الله تعالى-
_________
(١) انظر: تاريخ نجد (١٠٦ - ١١٠)، وسوف يأتي ذكر ذلك بالتفصيل في بداية الكتاب.
1 / 10
حكم الله ورسوله ﷺ في مسألة حكم تكفير المعين، وأن النبي ﷺ، والصحابة من بعده، والمسلمين من بعدهم مازالوا يكفرون المعين من المسلمين إذا أحدث ردة باتخاذه إلهًا مع الله، أو موالاته لأعداء الله، أو استهزائه بشيء من شرائع الإسلام، أو رده لحكم من أحكام القرآن، أو مجرد تبديل الحاكم لشيء من أحكام الإسلام أو تكذيبه لنص واحد من نصوص الوحيين، أو استحلاله لمحرم معلوم بالاضطرار حرمته ...
وبين -رحمه الله تعالى- بتوسط بالغ شروط وضوابط وموانع «تكفير المعين»، وأكد بإصرار شديد -تراه في كل صفحة من صفحات الرسالة- على براءة الإمام الرباني، علامة الأمة، الإمام ابن تيمية، أكد براءته التامة مما يفترى عليه من غلاة المرجئة، الذي وصموه بأنه لا يكفر المعين بإطلاق حتى تقام الحجة، وتزال الشبهة.
فهذه الرسالة على صغر حجمها تعتبر بمثابة مذكرة تفسيرية في شرح وبيان منهج الإمام الأكبر ابن تميمة في مسألة من أخطر مسائل الاعتقاد في مسألة «حكم تكفير المعين».
ابن تيمية ذاك العالم الرباني، الذي مازال -من العلماء- يحمل راية المسلمين في أرض المعركة الرهيبة القائمة بين المسلمين من جهة، وبين الطواغيت والكفار والمرتدين والزنادقة من جهة أخرى.
1 / 11
عملي في هذا الكتاب
* عزو الآيات والأحاديث والآثار والنقول عن العلماء إلى مصادرها.
* شرح ما غمض من متن الرسالة، أو احتاج إلى مزيد دلائل من نصوص الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة وأئمتها -رحمهم الله تعالى-.
ولقد أعطيت رقمًا متسلسلًا لنقاط الشرح، بلغت -بفضل الله العزيز الوهاب- بضعًا وخمسين نقطة.
* تقوية بعض مسائل الشرح بنقول أخرى من مصادر متباينة من كتب أهل العلم الربانيين، ومن تراث إمام الدعوة وأحفاده، ليتيقن القارئ الكريم من صحة تلك المسائل والدلائل التي جاءت تحتها.
* بعض مسائل الشرح كانت في حاجة ماسة إلى بحث مستفيض بسبب كثرة التلبيس الحاصل عليها من علماء السوء، ومرتزقة الأقلام، ومن أساتذة لي أعناق النصوص من أجل تطويعها لأسيادهم وكبرائهم.
ولكن ترتب على هذا: البعد الكبير كثيرًا بين فقرات الرسالة الذهبية، ومن ثم العناء الشديد في متابعتها، والانتفاع بتسلسلها لاسيما وهي من أفضل وأنجع ما في الكتب في مسألة تكفير المعين.
وجمعًا بين فائدة المتن والشرح، قمت بعرض الرسالة كاملة في بداية الكتاب بغير شرح ثم قمت بعرضها بعد ذلك كمتن في بداية الصفحات مع عرض الشرح المستفيض له تحته، حتى يستفيد القارئ من الرسالة، ولا يتضرر بالبعد الكبير بين فقراتها، ثم يعود فيستفيد مرة أخرى -إن شاء الله- من الشرح المستفيض لفقراتها ومباحثها.
1 / 12
الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب
فارس ميداننا اليوم هو الإمام محمد بن عبد الوهاب، الإمام العلامة، المجاهد الصابر الداعي إلى الله على بصيرة، المجدد للأمة أمر دينها في القرن الثاني عشر الهجري.
كلامنا عليه سوف يكون مقتضبًا لأن ترجمته سوف تأتي مفصلة -بمشيئة الله وعونه-.
نشأ ﵀ في بيت علم وفضل، وتلقى العلوم كغيره على يد علماء وقته. وعندما بلغ مرتبة فيها يستطيع بها الحكم على أهل عصره وبيئته، وجد البون شاسعًا بين دعوة النبي ﷺ ورسالته وبين واقع أمته، لاسيما في أبواب العقائد والمنهج.
فالعامة غارقون في بحار البدع والخرافات والشركيات، فالشرك سيطر على كثير منهم في الربوبية والألوهية، وبلغ حدًّا لم يبلغه شرك أهل الجاهلية الأولى، نشأ على هذا الصغير، وهرم عليه الكبير، وأصبح بينهم دينًا يعض عليه بالنواجذ.
ومما زاد المصيبة ضررًا: أن علماء وقته كانوا مشغولين بدراسة مسائل الفقه، ودقائق علم الكلام، الذي خرج من تحت عباءته شتى ألوان البدع في العقائد والأحكام، وكانوا أيضًا منصرفين تمامًا عن بيان الشرك وأحكامه.
فعند ذلك عزم الإمام على خوض غمار معركة التغيير، تغيير المنكرات في العقائد والمناهج، والعمل على تصحيح عقائد العامة، وإرجاعهم إلى التلقي من مصادر الهدى، القرآن والسنة والإجماع، وسيرة الصحابة الكرام
1 / 13
الأبرار ﵃ جميعًا-.
فلما فعل، لم يملك أعداء الدين إلا أن يشمروا عن ساق العداء لمن جاء يريد هدم أصول التقليد والخرافات والشركيات التي بثوها في العامة، وروجوا لها، ثم اجتهدوا بكل ما أوتوا من تلبيس في تصحيح إسلام كل من وقع في الشرك والتنديد بدعوى أنه يقول: «لا إله إلا الله»، وينتسب لأهل القبلة.
وكان موقف الإمام إزاء هذا: مواصلة العمل في الدعوة إلى إفراد الله بالعبادة وتحقيق الكفر بكل ما يعبد من دونه، وألف في ذلك الكتب، وراسل العلماء والأمراء، وأجاب عن شبهات أهل الزيغ، وفند أباطيل أهل الريب، فاستجاب لدعوته من كان رائده الحق، ورده وعانده من كان دافعه التعصب للباطل، لاسيما أهل السوء من علماء التلبيس، الذين صرخت العامة فيهم إذا كان ما يقوله ابن عبد الوهاب حقًا فكيف تركتمونا عليه دون بيان ونكير؟ وكيف تركتم آباءنا يموتون على شيء يستحقون به الخلود في عذاب السعير؟
فقام علماء السوء والتلبيس قومة رجل واحد في وجه الحق، الذي سوف يهز مكانتهم، ويشوه صورتهم القبيحة، ويفضح باطنهم الخبيث ويخرج العامة من تحت سلطانهم الغير مقدس، السلطان الملعون الذي يسوقون به مريديهم لتحقيق شهواتهم وملذاتهم، وكل هذا باسم الدين، والدفاع عن المقدسات زعموا، ألا لعنة الله على الظالمين.
فلما كان كذلك لم يجد الإمام المجدد بدًا من جهاد هؤلاء بالحجة والبرهان، والسيف والسنان، بعد أن قيض الله للحق سيف محمد بن سعود -رحمه الله تعالى-.
1 / 14
فقامت ساق الحرب بين أولياء التوحيد وأعدائه، واستمرت سجالًا بينهم ردحًا من الزمان، ثم كان النصر لأهل التوحيد العاملين به والداعين إليه، والمجاهدين دونه.
وبقدر الحفاظ على التوحيد وأحكامه يأتي النصر والظفر والثبات عليه.
وبقدر التغيير والتلون فيه يأتي الانحسار وتبدل الحال والانكسار ...
واستمر الإمام المجدد على هذه الحالة الموصوفة آنفًا حتى لقي ربه ﷾ عن عمر يناهز إحدى وتسعين سنة. فرحمه الله من إمام رباني، وطيب ثراه، وجعلنا من أعوانه وأنصاره على الحق الذي بثه في الأمة، وأحيا به القلوب بعد موتها.
وختامًا:
أرجو منك أخي القارئ ألا تنساني في دعوة صالحة لعلها تكون سببًا في صلاح الحال والاستقامة على مراغمة الأعداء وإياك أن تنسى النصح والتوجيه والإرشاد في إصلاح الخلل، وتقويم الزلل.
وأسأل الله ﷾، وجل في علاه: أن يجعل كل عملي صالحًا، ولوجهه خالصًا، ولا يجعل لأحد من دونه في ذلك شيئًا، وأسأله تعالى أن يجعل في هذا الكتاب ذخرًا طيبًا لي ولأهلي ولأولادي في الدنيا والآخرة.
كتبه
مدحت بن الحسن آل فراج أبو يوسف
١٤/ ٤/١٤٢٨هـ
ص. ب ٧٦١٢ - الرياض ١١٤٧٢
E-abo-yosef٢٠٠٣@hotmail. com
1 / 15
ترجمة الإمام الفذ
الإمام محمد بن عبد الوهاب
رحمه الله تعالى
١١١٥هـ- ١٢٠٦هـ
هو محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن محمد بن بريد بن مشرف، التميمي.
ولد رحمه الله تعالى سنة خمس عشرة بعد المائة والألف من الهجرة النبوية في بلدة العيينة، من بلدان نجد.
تلقى في طفولته العلم في بلدته العيينة، فحفظ القرآن قبل بلوغه العاشرة من عمره، وكان حاد الفهم، وقاد الذهن، سريع الحفظ، فصيحًا فطنًا؛ روى أخوه سليمان أن أباهما كان يتوسم فيه خيرًا كثيرًا، ويتعجب من فهمه وإدراكه مع صغر سنه، وكان يتحدث بذلك ويقول: إنه استفاد من ولده محمد فوائد من الأحكام.
وكتب والده إلى بعض إخوانه رسالة نوه فيها بشأن ابنه محمد، وأثنى فيها عليه، وعلى حفظه وفهمه وإتقانه، ذكر فيها أن ابنه بلغ الاحتلام قبل أن يكمل اثنتي عشرة سنة من عمره، وأنه رآه حينئذ أهلًا للصلاة بالجماعة لمعرفته بالأحكام، فقدمه أبوه ليؤم الناس. وزوجه وهو ابن اثنتي عشرة سنة بعيد بلوغه؛ ثم أذن له بالحج فحج وقصد مدينة الرسول ﷺ وأقام فيها شهرين ثم رجع بعد أن أدى الزيارة.
1 / 16
وكان والده آنذاك قاضي العُيَيْنَة، فقرأ عليه في الفقه على مذهب الإمام أحمد وكان ﵀ -على صغر سنه- كثير المطالعة في كتب التفسير والحديث وكلام العلماء في أصل الإسلام وكان -لسرعة كتابته- يكتب في المجلس الواحد كراسًا من غير أن يتعب فيحار من يراه لسرعة حفظه، وسرعة كتابته.
فشرح الله صدره بمعرفة التوحيد ومعرفة نواقضه التي تضل عن سبيله فأخذ ينكر تلك البدع المستحدثة من الشرك الذي كان قد فشا في نجد، مع أن بعض الناس كان يستحسن ما يقول، غير أنه رأى أن الأمر لن يتم له على ما كان يريد، فرحل في طلب العلم إلى ما يليه من الأمصار، حتى بلغ فيه شأوًا فاق فيه شيوخه.
فبدأ بحج بيت الله الحرام، ثم أقام في المدينة المنورة حينًا أخذ فيه العلم عن الشيخ عبد الله بن إبراهيم النجدي ثم المدني وأجازه من طريقين، وهو والد إبراهيم بن عبد الله مصنف كتاب «العذب الفائض في علم الفرائض» وكذلك أخذ عن الشيخ محمد حياة السندي المدني.
ثم خرج من المدينة إلى نجد، وقصد البصرة في طريقه إلى الشام، وفي البصرة سمع الحديث والفقه من جماعة كثيرين، وقرأ بها النحو وأتقنه، وكتب الكثير من اللغة والحديث. وكان في أثناء مقامه في البصرة ينكر ما يرى ويسمع من الشرك والبدع، ويحث على طريق الهدى والاستقامة، وينشر أعلام التوحيد، ويعلن للناس أن الدعوة كلها لله: يكفر من صرف شيئًا منها إلى سواه؛ وإذا ذكر
أحد بمجلسه شارات الطواغيت والصالحين الذين كانوا
1 / 17
يعبدونهم مع الله نهاه عن ذلك وزجره، وبين له الصواب، وقال له: إن محبة الأولياء والصالحين إنما هي باتباع هديهم وآثارهم، وليست باتخاذهم آلهة من دون الله؛ وكان كثير من أهل البصرة يأتون إليه بشبهات يلقونها عليه فيجيبهم بما يزيل اللبس، ويوضح الحق، ويكرر عليهم دائما أن العبادة كلها لا تصلح إلا لله، وكان بعض الناس يستغربون منه ذلك، ويعجبون لما يظهر لهم من شدة إنكاره لعبادة الصالحين والأولياء والتوسل بهم عند قبورهم، ومشاهدهم، وكانوا يقولون: إن كان ما يقوله هذا الإنسان حقا فالناس ليسوا على شيء.
فلما تكرر منه ذلك آذاه بعض أهل البصرة أشد الأذى، وأخرجوه منها وقت الهجيرة، فاتجه إلى الشام ولكن نفقته التي كانت معه ضاعت منه في الطريق؛ فانثنى عائدًا إلى نجد؛ ومر في طريقه إليها بالأحساء ونزل فيها على الشيخ العالم عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف الشافعي الأحسائي؛ ثم اتجه منها إلى بلدة حريملا -وكان أبوه عبد الوهاب قد انتقل إليها من العُيَيْنَة سنة تسع وثلاثين ومائة وألف بعد أن توفي حاكمها عبد الله بن معمر، وتولى بعده ابن ابنه محمد بن حمد الملقب خرفاش، فعزل الشيخ عبد الوهاب عن قضاء العيينة لنزاع بينهما.
فأقام الشيخ محمد في حريملا مع أبيه يقرأ عليه سنين، إلى أن توفي أبوه سنة (١١٥٣هـ) ثلاث وخمسين ومائة وألف؛ فأعلن دعوته، واشتد في إنكاره مظاهر الشرك والبدع وجد في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبذل النصح للخاص والعام، ونشر شرائع الإسلام، وجدد سنة محمد ﷺ ولم يخش في الحق لومة لائم وحذر الناس، والعلماء منهم خاصة تحقق وعيد
1 / 18
الله في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ﴾ [البقرة: ١٥٩].
فذاع ذكره في جميع بلدان العارض: في حريملا والعُيَيْنة والدَّرْعية والرياض ومنفوحة؛ وأتى إليه ناس كثيرون، وانتظم حوله جماعة اقتدوا به، واتبعوا طريقه، ولازموه، وقرءوا عليه كتب الحديث والفقه والتفسير، وصنف في تلك السنين «كتاب التوحيد».
وانقسم الناس فيه فريقين: فريق تابعه وبايعه وعاهده على ما دعا إليه؛ وفريق عاداه وحاربه وأنكر عليه وهم الأكثر.
وكان رؤساء أهل حريملا قبيلتين أصلهما قبيلة واحدة، وكان كل فريق يدعي لنفسه القوة والغلبة والكلمة العليا، ولم يكن لهم رئيس واحد يَزَعُ الجميع؛ وكان في البلد عبيد لإحدى القبيلتين كثر تعديهم وفسقهم، فأراد الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن يمنعوا عن الفساد ونفذ فيهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهم العبيد أن يفتكوا بالشيخ ويقتلوه سرًا بالليل، فلما تسوروا عليه الجدار علم بهم الناس فصاحوا بهم فهربوا.
فانتقل الشيخ من حريملا إلى العُيَيْنة، ورئيسها يومئذ عثمان بن حمد بن معمر، فأكرمه وتزوج فيها الجوهرة بنت عبد الله بن معمر.
ولما عرض على عثمان دعوته اتبعه وناصره، وألزم الخاصة والعامة أن يمتثلوا أمره، وكان في العيينة وما حولها كثير من القباب والمساجد والمشاهد المبنية على قبور الصحابة والأولياء، والأشجار التي يعظمونها ويتبركون بها
1 / 19
كقبة قبر زيد بن الخطاب في الجبيلة، وكشجرة قريوة وأبي دجانة والذيب.
فخرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومعه عثمان بن معمر وكثير من جماعتهم، إلى تلك الأماكن بالمعاول، فقطعوا الأشجار، وهدموا المشاهد والقبور، وعدلوها على السنة وكان الشيخ هو الذي هدم قبة قبر زيد بن الخطاب بيده، وكذلك قطع شجرة الذيب مع بعض أصحابه، وقطع شجرة قريوة: ثنيان بن سعود ومشاري بن سعود وأحمد بن سويلم وجماعة سواهم.
وهكذا لم يبق وثن في البلاد التي تحت حكم عثمان، وعلت كلمة الحق، وأحييت سنة رسول الله ﷺ فلما شاع ذلك واشتهر، وتحدثت به الركبان أنكرته قلوب الذين حقت عليه كلمة العذاب، وقالوا مثلما قال الأولون: ﴿أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص: ٥] فتجمعوا على رده، والإنكار عليه ومخاصمته ومحاربته، فكتبوا إلى علماء الأحساء والبصرة والحرمين يؤلبونهم عليه، فناصرهم في ذلك أهل الباطل والضلال من علماء تلك البلاد، وصنفوا المصنفات في تبديعه وتضليله وتغييره للشرع والسنة، وجهله وغوايته، وأغروا به الخاصة والعامة، خصوصًا السلاطين والحكام وادعوا أن ليس للشيخ وأصحابه عهد ولا ذمام، لرفضه سنة الرسول ﷺ وتغييره أحكام الدين، وخوفوا الحكام والولاة منه، وزعموا أنه يملأ قلوب الجهال والطغام بكلامه ويغويهم بطريقته، فيخرجون على حكامهم وولاتهم ويعلنون العصيان.
والشيخ ﵀ صابر على ما يقولون، محتسب أجره عند الله،
1 / 20
يتعزى بما قاساه قبله الموحدون، وما لقيه المؤمنون من أنواع البلاء، وما سعى لهم به أهل الشرك والضلال. وهذه سنة الله تعالى في عباده جارية في جميع الأزمان، يختبر بها المؤمنين ويمتحن بها الصابرين فقد قال تعالى: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: ١ - ٣].
ولم يزل الشيخ ﵀ مقيمًا في العيينة: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويعلم الناس دينهم، ويزيل ما قدر عليه من البدع ويقيم الحدود، ويأمر الوالي بإقامتها حتى جاءته امرأة من أهل العيينة زنت، فأقرت على نفسها بالزنا، وتكرر ذلك منها أربعًا فأعرض الشيخ عنها، ثم أقرت وعادت إلى الإقرار مرارًا؛ فسأل عن عقلها، فأخبر بتمامه وصحته، فأمهلها أيامًا، رجاء أن ترجع عن الإقرار إلى الإنكار، فلم تزل مستمرة على إقرارها بذلك، فأقرت أربع مرات في أيام متواليات، فأمر الشيخ ﵀ والوالي برجمها لأنها محصنة: بأن تشد عليها ثيابها وترجم بالحجارة على الوجه المشروع، فخرج الوالي عثمان بن معمر وجماعة من المسلمين فرجموها حتى ماتت وكان أول من رجمها عثمان نفسه؛ فلما ماتت أمر الشيخ أن يغسلوها وأن تكفن ويصلى عليها.
فلما جرت هذه الحادثة كثرت أقاويل أهل البدع والضلال، وطارت قلوبهم خوفًا وفزعًا، وانخلعت ألبابهم رهبًا وجزعًا، وتطاولت ألسنة العلماء عليه ينكرون ما فعل مع أنه لم يعد الحكم بالمشروع بالسنة والإجماع.
1 / 21
فلما أعياهم رد ما أفحمهم به الشيخ من حجج، عدلوا إلى ردها بالمكر والحيلة، فشكوه إلى شيخهم سليمان آل محمد رئيس بني خالد والأحساء، فأغروه به، وصاحوا عنده وقالوا: إن هذا يريد أن يخرجكم من ملككم ويسعى في قطع ما أنتم عليه من الأمور، ويبطل العشور والمكوس.
فلما خوفوه بذلك كتب إلى عثمان بن معمر أمره بقتله أو إجلائه عن بلده، وشدد عليه، وهدده بأنه إن لم يفعل ذلك قطع عنه خراجه الذي عنده في الأحساء -وكان خراجًا كثيرًا- وأوعده باستباحة جميع أمواله لديه.
فلما ورد على عثمان كتاب سليمان استعظم الأمر فآثر الدنيا على الدين وأمر الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالخروج من العيينة.
فخرج الشيخ سنة سبع أو ثمان وخمسين ومائة وألف من العُيَيْنَة إلى بلدة الدَّرْعية. فنزل في الليلة الأولى على عبد الله بن سويلم، ثم انتقل في اليوم التالي إلى دار تلميذه الشيخ أحمد بن سويلم.
فلما سمع بذلك الأمير محمد بن سعود، قام من فوره مسرعًا إليه ومعه أخواه: ثنيان ومشاري، فأتاه في بيت أحمد بن سويلم، فسلم عليه وأبدى له غاية الإكرام والتبجيل، وأخبره أنه يمنعه بما يمنع به نساءه وأولاده.
فأخبره الشيخ بما كان عليه رسول الله ﷺ وما دعا إليه، وما كان عليه صحابته ﵃ من بعده، وما أمروا به وما نهوا عنه، وأن كل بدعة ضلالة وما أعزهم الله به بالجهاد في سبيل الله وأغناهم به وجعلهم إخوانًا.
ثم أخبره بما عليه أهل نجد في زمنه من مخالفتهم لشرع الله وسنة رسوله بالشرك بالله تعالى والبدع والاختلاف والظلم.
1 / 22
فلما تحقق الأمير محمد بن سعود معرفة التوحيد، وعلم ما فيه من المصالح الدينية والدنيوية، قال له: يا شيخ إن هذا دين الله ورسله الذي لا شك فيه، فأبشر بالنصرة لك ولما أمرت به، والجهاد لمن خالف التوحيد؛ ولكن أريد أن أشترط عليك اثنتين:
نحن إذا قمنا في نصرتك، والجهاد في سبيل الله وفتح الله لنا ولك البلدان أخاف أن ترحل عنها وتستبدل بنا غيرنا.
والثانية: أن لي على الدرعية قانونًا (١) آخذه منهم في وقت الثمار، وأخاف أن تقول لا تأخذ منهم شيئًا. فقال الشيخ: أما الأول فابسط يدك: الدم بالدم والهدم بالهدم؛ وأما الثانية فلعل الله أن يفتح لك الفتوحات فيعوضك الله من الغنائم ما هو خير منهم.
فبسط الأمير محمد يده وبايع الشيخ على دين الله ورسوله والجهاد في سبيله، وإقامة شرائع الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فقام الشيخ ودخل معه البلد واستقر عنده. ومن أشهر الذين عاونوه وناصروه من إخوان الأمير ووزرائه وأعوانه من أهل الدرعية: ثنيان بن سعود، ومشاري بن سعود، وفرحان بن سعود، والشيخ أحمد بن سويلم، والشيخ عيسى بن قاسم، ومحمد الحزيمي، وعبد الله بن دغيثر، وسليمان الوشيقري، وحمد بن حسين، وأخوه محمد، وغيرهم.
_________
(١) هو ما يدفعه الضعيف للقوي ليحميه ويدافع عنه، ويسمى: الخفارة والقانون في كلام
أهل نجد.
1 / 23