43

فتاوى د حسام عفانة

تصانيف

١٠ - نشر الأحاديث المكذوبة عبر البريد الإلكتروني يقول السائل: يردني كثير من الرسائل على بريدي الإلكتروني – الإيميل - وفيها أحاديث منسوبة إلى الرسول ﷺ وقصص غريبة، ويُطلب مني إرسالها إلى أكبر عددٍ من الناس، لأنها من باب الدعوة إلى الخير كما يقولون، فما الحكم في ذلك، أفيدونا؟ الجواب: ما ذكره السائل من نشر أحاديث منسوبة إلى الرسول ﷺ وقصص غريبة وخرافات وخزعبلات، أصبح آفة خطيرة، ومنتشرة بشكل كبير على الشبكة العنكبوتية – الإنترنت – وكذلك على شبكات الهاتف المحمول بالإضافة للبريد الإلكتروني – الإيميل -، وقد زعم هؤلاء أن مَنْ ينشر مثل هذه الأخبار فله كذا وكذا من الحسنات، وأنه ينال شفاعة رسول الله ﷺ أو أنه يصيبه خير كثير أو يسمع أخبارًا تسره، وأن من لم ينشرها سيصيبه كذا وكذا إلى غير ذلك من الترهات، ولا شك أن كل هذا من أعظم الكذب والدجل بلا خجل، لأن الأجر والثواب لا يعلمه إلا الله ﷿، وشفاعة رسول الله ﷺ لا تنال بمجرد نشر هذه الأخبار المكذوبة، وكذلك ما ورد من الوعيد الشديد لمن لم ينشرها وأنه يحرم من رحمة الله، فهو كذبٌ على الله وافتراءٌ عظيم. قال العلامة اللكنوي مبينًا أصناف الكذابين على الرسول ﷺ: [...الثالث قومٌ كانوا يضعون الأحاديث في الترغيب والترهيب، ليحثوا الناس على الخير، ويزجروهم عن الشر، وأكثر أحاديث صلوات الأيام والليالي من وضع هؤلاء، ومن هؤلاء من كان يظن أن هذا جائز في الشرع لأنه كذب للنبي ﷺ لا عليه ...] الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ص ١٥. ويجب أن يُعلم أن نشر الأحاديث المنسوبة إلى الرسول ﷺ دون التأكد من ثبوتها، يعتبر من باب الكذب على الرسول ﷺ، وهذا أمرٌ جد خطير، لأن هؤلاء قد يدخلون في دائرة الكذب على الرسول ﷺ، والكذب على النبي ﷺ من الكبائر وعاقبته وخيمة، وقد حذرنا النبي ﷺ من الكذب عليه، فقال ﷺ: (من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار) وهو حديث صحيح متواتر رواه البخاري ومسلم، وفي رواية عند مسلم (إن كذبًا علي َّ ليس ككذبٍ على أحدٍ، فمن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار) . قال الحافظ ابن حبان: " فصل ذكر إيجاب دخول النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى ﷺ وهو غير عالم بصحته "، ثم روى بسنده عن أبي هريرة ﵁ عن رسول الله ﷺ قال: (من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)، وقال محققه الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن، الإحسان ١/٢١٠، وقال العلامة الألباني: وسنده حسن وأصله في الصحيحين بنحوه، السلسلة الضعيفة ١/١٢. ثم ذكر ابن حبان بسنده عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله ﷺ: (من حدث حديثًا وهو يُرى - بضم الياء ومعناه يظن - أنه كذب فهو أحد الكاذبين) وأخرجه مسلم في مقدمة صحيحه. وفي رواية عند ابن ماجة وغيره (من حدث عني حديثًا.... الخ) . وقال ﷺ: (كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع) رواه مسلم. فهذه الأحاديث وغيرها تدل على وجوب التثبت من الأحاديث قبل روايتها ونشرها بين الناس، لأن معظم الناس من العوام الذين لا يميزون بين الصحيح والضعيف من الأحاديث، بل إن عامة الناس يتلقون هذه الأحاديث وينشرونها فيما بينهم، فيسهم هؤلاء في نشر هذه الأحاديث المكذوبة بين الناس، ويتحملون وزر ذلك. وقد نص أهل العلم على تحريم رواية الأحاديث المكذوبة، قال الحافظ العراقي في ألفيته: شرُ الحديث الخبر الموضوعُ الكذبُ المختَلقُ المصنوعُ وكيف كان لم يجيزوا ذكره لعالم ما لم يبين أمره وقال الإمام النووي: [باب تغليظ الكذب على رسول الله ﷺ، واستدل بقوله ﷺ: (من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار) وغيره من الأحاديث، ثم ذكر بعد ذلك: [باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها] واستدل بقوله ﷺ: (سيكون في آخر الزمان ناسٌ من أمتي يُحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم) رواه مسلم. انظر شرح النووي على صحيح مسلم ١/٦٢، ٧٠. وينبغي أن يُعلمَ أن في الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي ﷺ ما يغني ويكفي عن الأحاديث المكذوبة. ولا يقولن قائل إنه ينشر هذه الأخبار من باب نشر الخير والدعوة إليه، فإن هذا الكلام من الباطل، فالنية الحسنة لا تكفي لصلاح العمل، وكم من مريدٍ للخير لن يصيبه، كما قال ابن مسعود ﵁ فيما رواه عنه الدارمي /٢٣٤. وهنا لا بد من توضيح قاعدة هامة في العمل الذي يجوز للمسلم أن يعمله وهي ما قرره العلماء من أن للوسائل أحكام المقاصد، قال الإمام العز بن عبد السلام: [للوسائل أحكام المقاصد فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل والوسيلة إلى أرذل المقاصد هي أرذل الوسائل] قواعد الأحكام ١/٤٦. فوسيلة المحرم محرمة، أي إن ما أدى إلى الحرام فهو حرام، والكذب على رسول الله ﷺ لا شك في تحريمه، فكذلك نشر الأحاديث المكذوبة محرم. إذا تقرر هذا فإن كثيرًا من الأحاديث الواهية والمكذوبة والقصص والخرافات أخذت طريقها للنشر على الشبكة العنكبوتية – الإنترنت – وعلى شبكات الهاتف المحمول بالإضافة للبريد الإلكتروني – الإيميل – ومطبوعات مختلفة، وأذكر هنا أمثلة منها ليحذرها القراء، فمن هذه المكذوبات: الرؤيا المزعومة من خادم الحجرة النبوية المسمى الشيخ أحمد، حديث عشرةٌ تمنع عشرة، السور المنجيات، حديث أبكى رسول الله ﷺ، حديث محاورة إبليس لرسول الله ﷺ، حديث الأعرابي الذي أبكى رسول الله ﷺ وأنزل جبريل من السماء مرتين، حديث يا علي لا تنم إلا أن تأتي بخمسة أشياء وهي قراءة القرآن كله، التصدق بأربعة آلاف درهم، زيارة الكعبة، حفظ مكانك بالجنة، إرضاء الخصوم، قصة يا ابن آدم أتدري ماذا يقول ملك الموت وأنت نائم على خشبة الغسل؟، قصة المرأة المتكلمة بالقرآن، حديث دعاء جبريل ﵇، حديث من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمس عشرة عقوبة، حديث يا ابن ادم لا تخف من ذي سلطان، حديث: يا ابن آدم جعلتك في بطن أمك، قصة أن أسماء الله الحسنى لها طاقة شفائية، حديث موت الملائكة، حديث دعاء الجوشن، حديث دعاء كنز العرش، حديث استئذان ملك الموت من النبي ﷺ ليقبض روحه، حديث مجيء جبريل إلى النبي ﷺ في ساعة ما كان يأتيه فيها متغير اللون فقال له النبي ﷺ: " مالي أراك متغير اللون؟ "، فقال: " يا محمد جئتك في الساعة التي أمر اللَّه بمنافخ النار أن تنفخ فيها، حديث نزول جبريل ﵇ إلى النبي ﷺ في أحسن صورة لم ينزل في مثلها قط؛ ضاحكا مستبشرًا، حديث الأعرابي في الطواف، بينما النبي ﷺ في الطواف، إذ سمع أعرابيًا يقول: يا كريم، فقال النبي ﷺ خلفه: يا كريم، فمضى الأعرابي إلى جهة الميزاب، وقال: يا كريم، وحديث من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمس عشرة عقوبة، وغير ذلك من الأخبار المكذوبة، ويمكن لمن أراد الاستزادة من ذلك أن يرجع إلى الصفحة الألكترونية التالية: http://www.islam2all.com/dont/dont.htm ومن فضل الله ﷿ أن صار في زماننا هذا من السهولة بمكان التأكد من صحة أي حديث منسوب للنبي صلى الله عليه ومسلم، وذلك بمراجعة كتب أهل العلم المتخصصة في ذلك، وهي كثيرة ومنشورة طباعة، وموجودة على شبكة الإنترنت، كما أنه يوجد عدد كبير من المواقع الألكترونية بإشراف أهل العلم، والتي تقوم بتخريج الأحاديث النبوية وتبين الحكم عليها، وهذه بعض عناوينها: جامع الحديث النبوي http://www.sonnaonline.com/ الحديث الشريف http://hadith.al-islam.com/ كتب الحديث، للألباني http://arabic.islamicweb.com/Books/albani.asp الموسوعة الشاملة http://islamport.com الحديث الشريف - الشبكة الإسلامية http://www.islamweb.net/ver2/archive/index2.php?thelan تيسير الوصول لأحاديث الرسول http://www.dorar.net/enc/hadith ملتقى أهل الحديث http://www.ahlalhdeeth.com/vb/index.php شبكة السنة http://www.alssunnah.com/ وخلاصة الأمر أنه لا يجوز شرعًا نشر الأحاديث بأي وسيلة من وسائل النشر قبل التأكد من ثبوتها، ويحرم ترويج الأحاديث المكذوبة والموضوعة، وكذا القصص والخرافات ونحوها.

3 / 10