الفتاوى الفقهية الكبرى

ابن حجر الهيتمي ت. 974 هجري
64

الفتاوى الفقهية الكبرى

الناشر

المكتبة الإسلامية

رقم الإصدار

الأولى

مكان النشر

مصر

لِمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - هَلْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَنَوَّرَ أَوْ لَا، كَمَا أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ كَمَا قَالَهُ الْحَافِظُ الْعِمَادُ بْنُ كَثِيرٍ «أَنَّهُ ﷺ كَانَ إذَا طَلَى بَدَأَ بِعَوْرَتِهِ فَطَلَاهَا وَطَلَى سَائِرَ جَسَدِهِ أَهْلُهُ» . وَفِي رِوَايَةٍ مُرْسَلَةٍ سَنَدُهَا جَيِّدٌ أَيْضًا «أَنَّهُ أَطْلَى وَوَلِيَ عَانَتَهُ بِيَدِهِ» وَفِي أُخْرَى عِنْدَ الْخَرَائِطِيِّ وَابْنِ سُفْيَانَ وَابْنِ عَسَاكِرَ «أَنَّهُ قِيلَ لِثَوْبَانَ مَوْلَى النَّبِيِّ ﷺ تَدْخُلُ الْحَمَّامَ، وَأَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ، وَكَانَ يَتَنَوَّرُ» وَفِي أُخْرَى عِنْدَ ابْنِ عَسَاكِرَ عَنْ وَاثِلَةَ «لَمَّا فَتَحَ ﷺ خَيْبَرَ أَكَلَ مُتَّكِئًا، وَأَطْلَى وَأَصَابَتْهُ الشَّمْسُ وَلَبِسَ الظُّلَّةَ»، وَكَانَ الْمُرَادُ بِ " أَصَابَتْهُ " الشَّمْسُ أَنَّهَا أَثَّرَتْ فِيهِ لِكِبَرِ سِنِّهِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ تُؤَثِّرُ فِيهِ قَبْلُ، وَمِنْ ثَمَّ أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ لَبِسَ الظُّلَّةَ، أَيْ مَا يُجْعَلُ عَلَى الرَّأْسِ مِمَّا لَهُ ظِلٌّ يَقِي الْوَجْهَ وَالْعُنُقَ وَنَحْوَهُمَا عَنْ الشَّمْسِ. وَفِي أُخْرَى مُرْسَلَةٍ رَوَاهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ «كَانَ إذَا أَطْلَى وَلِيَ عَانَتَهُ بِيَدِهِ» وَفِي أُخْرَى مُرْسَلَةٍ أَيْضًا رَوَاهَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ «أَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ خَيْبَرَ أَكَلَ مُتَّكِئًا وَتَنَوَّرَ» وَفِي أُخْرَى مُرْسَلَةٍ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ وَالْبَيْهَقِيِّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى «أَنَّ رَجُلًا نَوَّرَ رَسُولَ اللَّهِ فَلَمَّا بَلَغَ الْعَانَةَ كَفَّ الرَّجُلُ، وَنَوَّرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ نَفْسَهُ» وَفِي أُخْرَى سَنَدُهَا ضَعِيفٌ «أَنَّهُ ﷺ كَانَ يَتَنَوَّرُ كُلَّ شَهْرٍ وَيُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ كُلَّ خَمْسَ عَشَرَةَ» قِيلَ: وَفِيهَا فَائِدَةٌ نَفِيسَةٌ وَهِيَ ذِكْرُ التَّوْقِيتِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ بَدَنَهُ ﷺ كَانَ فِي غَايَةِ الِاعْتِدَالِ فَلَا يُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِيمَا صَحَّ أَنَّهُ كَانَ يُوَضِّئُهُ الْمُدُّ وَيُغَسِّلُهُ الصَّاعُ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِمَنْ بَدَنُهُ كَبَدَنِهِ ﷺ لُيُونَةً وَاعْتِدَالًا وَإِلَّا زِيدَ وَنَقَصَ بِحَسَبِ التَّفَاوُتِ، فَكَذَا هُنَا وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْأَئِمَّةُ فِي حَلْقِ الْعَانَةِ وَالْإِبْطِ وَالْقَلْمِ وَقَصِّ الشَّارِبِ: (أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَقَيَّدُ بِمُدَّةٍ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَبَدَانِ وَالْمَحَالِّ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُ الْحَاجَةِ إلَى إزَالَةِ ذَلِكَ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ بِمَا يُنَاسِبُهُ) فَتَأَمَّلْهُ وَمَا قِيلَ: أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّنَوُّرُ فِي أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ أَخْذًا مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُرَدُّ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْتَاجُ إلَى نَهْيٍ، فَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الْكَرَاهَةُ الْإِرْشَادِيَّةُ لِمَا صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّهُ آثَرَ الْحَلْقَ عَلَى التَّنَوُّرِ، أَيْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَقَالَ: إنَّ التَّنَوُّرَ يُرِقُّ الْجِلْدَ كَانَ صَحِيحًا، وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّ الْحَمَّامِيَّ كَانَ يُنَوِّرُهُ فَإِذَا بَلَغَ حِقْوَهُ قَالَ لَهُ اُخْرُجْ، أَيْ وَتَوَلَّى الْعَوْرَةَ بِنَفْسِهِ اقْتِدَاءً بِهِ ﷺ كَمَا فِي أَوَّلِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ الْحَدِيثِ الْأَخِيرِ الْمُقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَطْلِ إلَّا عَانَتَهُ فَقَطْ، وَأَنَّهُ مَكَّنَ الرَّجُلَ مِنْ إطْلَاءِ مَا عَدَاهَا مِنْ بَقِيَّةِ الْعَوْرَةِ عَلَى أَنَّهُ مُرْسَلٌ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِلْقَائِلِ بِأَنَّ الْعَوْرَةَ مَا عَدَا السَّوْأَتَيْنِ وَلَا يُعَارِضُ مَا مَرَّ خَبَرُ «أَنَّهُ ﷺ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ ﵄ كَانُوا لَا يَطْلُونَ»؛ لِأَنَّهُ نَفْيٌ وَمَا مَرَّ إثْبَاتٌ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ هَذَا مُرْسَلٌ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَوَرَدَ رِوَايَتَانِ أُخْرَيَانِ كَذَلِكَ سَنَدُهُمَا مُنْقَطِعٌ، وَأُخْرَى أَنَّهُ كَانَ لَا يَتَنَوَّرُ فَإِذَا كَبِرَ شَعْرُهُ حَلَقَهُ، وَهِيَ مَوْصُولَةٌ لَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ وَبِتَقْدِيرِ صِحَّةِ ذَلِكَ كَانَ يَتَنَوَّرُ فِي وَقْتٍ وَيَحْلِقُ فِي وَقْتٍ وَجَاءَ فِي رِوَايَاتٍ عَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ كَرِهَ التَّنُّورَ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ مِنْ النَّعِيمِ فِي رِوَايَةٍ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا كَرِهَ كَثْرَةَ طِلَاءِ النُّورَةِ، وَجَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ مَا أَطْلَى نَبِيٌّ قَطُّ، وَمَعْنَاهُ مَا مَالَ نَبِيٌّ إلَى هَوًى لِأَنَّهُ مِنْ أَطْلَى الرَّجُلُ إذَا مَالَتْ عُنُقُهُ لِلْمَوْتِ أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ اُسْتُعِيرَ لِلْمَيْلِ عَنْ الْحَقِّ وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: أَصْلُهُ مِنْ مَيْلِ الطِّلَاءِ، وَهِيَ الْأَعْنَاقُ وَاحِدَتُهَا طِلَاءَةٌ يُقَالُ: أَطْلَى الرَّجُلُ إطْلَاءً إذَا مَالَتْ عُنُقُهُ إلَى أَحَدِ الشِّقَّيْنِ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَابْنُ عَدِيٍّ وَالطَّبَرَانِيُّ «أَنَّهُ ﷺ قَالَ أَوَّلُ مَنْ صُنِعَتْ لَهُ النُّورَةُ وَدَخَلَ الْحَمَّامَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمَا» وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ " أَنَّ بِلْقِيسَ كَانَتْ شَعْرَاءَ فَاسْتَقْبَحَ سُلَيْمَانُ حَلْقَهُ بِالْمُوسَى لِقُبْحِ أَثَرِهِ فَجَعَلَتْ لَهُ الشَّيَاطِينُ النُّورَةَ مِنْ أَصْدَافٍ " وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ قَوْلِ الشَّيْخِ زَكَرِيَّا ﵀ فِي فَتَاوِيهِ: (وَلَا يُسَنُّ الْوُضُوءُ لِلْغُسْلِ الْمَسْنُونِ بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْوَاجِبِ كَمَا قَيَّدَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ) اهـ كَلَامُهُ.

1 / 65