2 - يحرم شرعا تمثيل الأنبياء عليهم السلام
يقول السائل: تبث إحدى القنوات الفضائية مسلسلا يتحدث عن نبي الله يوسف الصديق عليه السلام ويتم تمثيل شخصية يوسف ويعقوب وجبريل عليهم السلام، فما الحكم الشرعي في ذلك، أفيدونا؟
الجواب: لا شك لدي أن التمثيل في واقعنا المعاصر، وما ينتج عنه من أفلام ومسلسلات ومسرحيات ... إلخ أصبح معولا من معاول الهدم والتخريب والفساد والإفساد للبقية الباقية من الخير والصلاح والعفة والطهر في مجتمعنا المسلم، كما أنه لا شك لدي أن فئة الممثلين والممثلات ويلحق بهم المطربين والمطربات ممن يسمون بأهل الفن، هؤلاء وأولئك أسوأ فئات المجتمع وأضلهم سبيلا، ومن أكثر الناس سعيا في الأرض فسادا، وإشاعة للمنكرات والفواحش بين الناس، وخاصة بعد هذا الانتشار الكبير للفضائيات. [إن نظرة موضوعية إلى واقع التمثيل سواء من خلال المسرح أو السينما تدل على أنه لا يمكن اعتباره وسيلة حضارية للتقدم وإصلاح حال المجتمع والمحافظة على طهارته وسلامته، بل من الممكن أن نزعم أنه أضحى أداة هدم وإفساد وتخريب لا مثيل لها سواء في ذلك نظرنا إلى مضمون الأعمال التي تمثل وما فيها من مخاطر عظيمة على شخصية المسلم المعاصر ومجتمعه، بل على المجتمع البشري عامة] الإسلام والفنون ص 108. وإذا قلنا بجواز التمثيل فلا بد من الإشارة للأمور التالية: أولا: يحرم التمثيل المحتوي على المنكرات والمحرمات كتمثيل الرجل مع المرأة والسفور والعري والاختلاط والكذب والكفر والفواحش. ثانيا: يحرم تمثيل الملائكة لأنهم من عالم الغيب، ثالثا: يحرم تمثيل الأنبياء والصحابة الكرام، وما أدري كيف يمثل آدم أبو البشر وزوجه وهما يأكلان من الشجرة؟ وما هي هذه الشجرة؟ وكيف تمثل قصة يوسف مع زوجة العزيز؟ وكيف يمثل تكليم الله تعالى لموسى عليه السلام. وكيف يمثل أنبياء الله وأقوامهم يرمونهم بالسحر تارة، وبالكهانة والجنون تارة أخرى؟! إلى غير ذلك من التساؤلات، انظر قرار لجنة الفتوى بالأزهر عام 1374ه. رابعا: يغلب التحريم على التمثيل السينمائي والتلفزيوني والمسرحي في عصرنا الحاضر لأنه لا يخلو من المحرمات.
إذا تقرر هذا فإن تمثيل الأنبياء في الأفلام والمسلسلات ونحوها من المحرمات المتفق عليها بين أكثر علماء العصر ومن الهيئات العلمية المعتبرة، وهذا هو القول الصحيح في المسألة، وما يقابله قول باطل لا يعتمد على دليل معتبر عند أهل العلم. وممن قال بتحريم تمثيل الأنبياء هيئة كبار العلماء السعودية، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. ومجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة والمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، ودار الإفتاء المصرية ولجنة الفتوى بوزارة الأوقاف الكويتية وعدد كبير من علماء العصر كالشيخ العلامة عبد العزيز بن باز والشيخ العلامة محمد العثيمين وطائفة من علماء الأزهر وغيرهم، ومن المعلوم أن الله جل جلاله قد اصطفى الأنبياء واختارهم من بين عباده، وقد ثبتت لهم العصمة فهم ليسوا كبقية الناس، فهم معصومون من كبائر الذنوب، ومعصومون في تحمل الرسالة وتبليغها عن الله تبارك وتعالى، وهذا محل اتفاق بين أهل العلم، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذا قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف، حتى إنه قول أكثر أهل الكلام، كما ذكر أبو الحسن الآمدي أن هذا قول الأشعرية، وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء، بل لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول. انظر مجموع الفتاوى 4/319. فالواجب الشرعي يقتضي تعظيم الأنبياء وتوقيرهم، لأن في تعظيمهم تعظيما لله عز وجل {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} سورة الحج الآية 32، وتمثيل الأنبياء يتناقض مع توقيرهم، بل تمثيلهم فيه تنقص لهم واستخفاف بهم وأذى لهم، قال الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} سورة الأحزاب الآية 58، ثم من هذا الممثل الذي سيتقمص شخصية نبي؟! ونحن نعلم من حال الممثلين أنهم أفسد الناس وأبعدهم عن السلوك السوي [لا يوجد مخلوق أبدا في أي وسط فني ولا في غيره، يستطيع أن يصور شخص رسول الله ولا أن يمثل شخصية رسول من الرسل عليهم السلام، لأن الإنسان متأثر بتقاليد عصره في الحركة والسكنة، وفي القول والفعل، وقد خلقه الله سبحانه أقل علما ومعرفة من الرسل، بل أقل في كل شيء. ولذلك فإن تمثيل الرسل هو طمس وتسوية لشخصيتهم، وإهدار لقيمهم، وإقحامهم ميدان الرذيلة والجنس، ووسيلة من وسائل السخرية بهم، وفي تمثيلهم إخضاع لهم لحال الكاتب والمخرج والممثل، وليس أحد من الناس مثلهم، وسوف تتعرض الصورة النبوية في التمثيل للنقد، والتداول البذيء. ويعد تمثيل الأنبياء والرسل عليهم السلام من الكذب الحقيقي عليهم بالشكل والقول، وقد تضافرت الأدلة في الشريعة الإسلامية على تحريم الكذب، وحتى على غير الأنبياء والرسل. وإذا كانت الأحاديث والآثار واردة في تحريم الكذب في الحديث، فإنها في الحديث والشكل والقول والفعل ستكون أشد، وفاعلها أعظم جرما، ومبيحها - الصورة النبوية في التمثيل- هو مبيح للكذب عليهم. وفي إباحة تمثيل الرسل طريق لمدعي النبوة، وشبهة قوية للدجالين، الذين يدجلون على الناس، وخاصة في آخر الزمان الذي نعيش فيه، وقد قيل: الصورة أقوى من الواقع أحيانا، ولذا سيكثر المدعون للنبوة من خلال التصوير والتمثيل، وحينئذ يميع معنى النبوة في واقع الناس، كما يستغل هذا العمل المتآمرون على شخصيات الرسل.] الشريعة الإسلامية والفنون ص 379. ومن المفاسد الكثيرة لتمثيل الأنبياء أن فيه مخالفة لحكمة الله تعالى في منع شياطين الجن من التمثل بالرسول صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت في الحديث الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي) ، ويلحق شياطين الإنس وسفلتهم بشياطين الجن، في المنع من التمثل بالرسول وبإخوانه الأنبياء عليهم السلام، فالحكمة في هذا المنع من التمثل بالرسول وبإخوانه الأنبياء، هي صيانة شخصية الرسول وشخصيات إخوانه الأنبياء من أن تكون محل عبث ولعب وتحقير من هؤلاء الممثلين التافهين. جاء في فتاوى دار الإفتاء المصرية: [إن عصمة الله لأنبيائه ورسله من أن يتمثل بهم شيطان مانعة من أن يمثل شخصياتهم إنسان، ويمتد ذلك إلى أصولهم وفروعهم وزوجاتهم وصحابة الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن جهة العبرة من قصص الأنبياء كيف تتأتى الاستفادة من تمثيل إنسان لشخص نبي، ومن قبل مثل شخصا عربيدا مقامرا سكيرا رفيق حانات وأخا للدعارة والداعرات، ومن بعد يمثل كل أولئك أو كثيرا منهم؟] عن الإنترنت. وجاء في قرار هيئة كبار العلماء السعودية ما يلي: [ ... تأييد مجلس هيئة كبار العلماء لما قرره مؤتمر المنظمات الإسلامية من تحريم إظهار فيلم محمد رسول الله، وإخراجه، ونشره، سواء فيما يتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم، أو بأصحابه الكرام رضي الله عنهم؛ لما في ذلك من تعريض مقام النبوة، وجلالة الرسالة، وحرمة الإسلام، وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم للازدراء والاستهانة والسخرية، وبعد المناقشة وتداول الرأي قرر المجلس تأييد رأيه السابق الذي تضمنه القرار والكتاب المشار إليهما آنفا] . وورد في قرار آخر للهيئة يتعلق بتحريم تمثيل الصحابة الكرام: [قررت الهيئة بالإجماع ما يلي: 1- إن الله سبحانه وتعالى أثنى على الصحابة وبين منزلتهم العالية ومكانتهم الرفيعة، وفي إخراج حياة أي واحد منهم على شكل مسرحية أو فيلم سينمائي منافاة لهذا الثناء الذي أثنى الله تعالى عليهم به وتنزيل لهم من المكانة العالية التي جعلها الله لهم وأكرمهم بها. 2- إن تمثيل أي واحد منهم سيكون موضعا للسخرية والاستهزاء به ويتولاه أناس غالبا ليس للصلاح والتقوى مكان في حياتهم العامة والأخلاق الإسلامية، مع ما يقصده أرباب المسارح من جعل ذلك وسيلة إلى الكسب المادي، وأنه مهما حصل من التحفظ فسيشتمل على الكذب والغيبة كما يضع تمثيل الصحابة رضوان الله عليهم في أنفس الناس وضعا مزريا، فتتزعزع الثقة بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وتخف الهيبة التي في نفوس المسلمين من المشاهدين، وينفتح باب التشكيك على المسلمين في دينهم والجدل والمناقشة في أصحاب محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، ويتضمن ضرورة أن يقف أحد الممثلين موقف أبي جهل وأمثاله ويجري على لسانه سب بلال وسب الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وما جاء به من الإسلام، ولا شك أن هذا منكر، كما يتخذ هدفا لبلبلة أفكار المسلمين نحو عقيدتهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم محمد صلى الله تعالى عليه وسلم. 3- ما يقال من وجود مصلحة، وهي إظهار مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب مع التحري للحقيقة وضبط السيرة وعدم الإخلال بشيء من ذلك بوجه من الوجوه رغبة في العبرة والاتعاظ، فهذا مجرد فرض وتقدير، فإن من عرف حال الممثلين وما يهدفون إليه، عرف أن هذا النوع من التمثيل يأباه واقع الممثلين ورواد التمثيل وما هو شأنهم في حياتهم وأعمالهم. 4- من القواعد المقررة في الشريعة أن ما كان مفسدة محضة أو راجحة فإنه محرم، وتمثيل الصحابة على تقدير وجود مصلحة فيه، فمفسدته راجحة. فرعاية للمصلحة وسدا للذريعة وحفاظا على كرامة أصحاب محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، فيجب منع ذلك.] مجلة البحوث الإسلامية 1/223.
وخلاصة الأمر أنه يحرم تمثيل الملائكة لأنهم من عالم الغيب، ويحرم تمثيل الأنبياء والمرسلين، وتمثيلهم غض من مقاماتهم الشريفة وينافي عصمتهم، فهم معصومون بعصمة الله لهم من كل النقائص، وتمثيلهم تنقيص لهم، وتعد على مكانتهم الشريفة. ولا يجوز مشاهدة الأفلام والمسلسلات التي يمثل فيها الملائكة والأنبياء والصحابة الكرام، ويجب عدم الاغترار بكون قنوات الرافضة الدينية تعرض هذه الأفلام والمسلسلات، فالرافضة من أكثر الناس توسعا وتساهلا في تشخيص الأنبياء وأئمتهم كعلي وابنه الحسين رضي الله عنهما. ولا شك أن هذا انحراف واضح عن نهج الإسلام الصحيح.
صفحة ٢