وقيام الحجة وبلوغها نوع، وفهمهم إياها نوع آخر، وكفرهم ببلوغها إياهم وإن لم يفهموها نوع آخر١. فإن أشكل عليكم ذلك، فانظروا قوله ﷺ في الخوارج: " أينما لقي فاقتلوهم " ٢، وقوله: " شر قتلى تحت أديم السماء " ٣، مع كونهم في عصر الصحابة، ويحقر الإنسان عمل الصحابة معهم، ومع إجماع الناس أن الذي أخرجهم من الدين هو التشدد والغلو ٤ والاجتهاد٥، وهم يظنون أنهم مطيعون لله؛ وقد بلغتهم الحجة، ولكن لم يفهموها.
وكذلك قتل علي ﵁ الذين اعتقدوا فيه وتحريقهم بالنار، مع كونهم تلاميذ الصحابة، ومع عبادتهم وصلاحهم وصيامهم؛ وهم أيضًا يظنون أنهم على حق. وكذلك إجماع السلف على تكفير ناس من غلاة القدرية وغيرهم، مع كثرة علمهم وشدة عبادتهم، مع كونهم ٦ يظنون أنهم يحسنون صنعًا. ولم يتوقف أحد من السلف في تكفيرهم، لأجل أنهم لم يفهموا، فإن هؤلاء كلهم لم يفهموا.
إذا علمتم ذلك، فهذا الذي أنتم فيه، وهو: الشك في كفر ٧ أناس يعبدون الطواغيت، ويعادون دين الإسلام، ويزعمون أنه ردة، لأجل أنهم ما فهموا، كل هذا أظهر وأبين مما تقدم، إلا الذين حرقهم علي فإنه
_________
١ في المخطوطة بدون هاتين الكلمتين (نوع آخر) .
٢ صحيح البخاري: كتاب المناقب (٣٦١١) وكتاب فضائل القرآن (٥٠٥٧) وكتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم (٦٩٣٠)، وصحيح مسلم: كتاب الزكاة (١٠٦٦)، وسنن النسائي: كتاب تحريم الدم (٤١٠٢، ٤١٠٣)، وسنن أبي داود: كتاب السنة (٤٧٦٧)، وسنن ابن ماجة: المقدمة (١٧٥)، ومسند أحمد (١/٨١، ١/١١٣، ١/١٣١، ٤/٤٢٤، ٥/٣٦) .
٣ الترمذي: تفسير القرآن (٣٠٠٠)، وابن ماجة: المقدمة (١٧٦) .
٤ في طبعتي الأسد وأبا بطين: بدون كلمة: (الغلو) .
٥ في طبعة الأسد: (ومع الإجماع أن الذي أخرجهم من الدين هو التشدد والاجتهاد)، وكذا في طبعة أبا بطين.
٦ في المخطوط: (وكونهم)، ولعل الصواب ما ذكر، لتناسب العبارات.
٧ في طبعة الأسد ساقطة، وكذا في طبعة أبا بطين.
1 / 13