أن الله سبحانه لما أظهر شيئًا من نور النبوة في هذا الزمان، وعرف العامة شيئًا من دين ١ الإسلام، وافق أنه قد ترأس على الناس رجال من أجهل العالمين وأبعدهم من معرفة ما جاء به محمد ﷺ، وقد صاروا في الرياسة بالباطل وفي أكل أموال الناس، ويدّعون أنهم يعملون بالشرع، ولا يعرفون شيئًا من الدين إلا شيئًا من كلام بعض الفقهاء في البيع والإجارة والوقف والمواريث، وكذلك في المياه والصلاة، ولا يميزون حقه من باطله، ولا يعرفون مستند قائله، وأما العلم الذي بعث الله به محمدًا ﷺ فلم يعرفوا منه خبرًا، ولم يقفوا منه على عين ولا أثر؛ فقد تزاحمت بهم الظنون،: ﴿فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ ٢.
ومصداق هذا كله: أن الداعي - لما أمرهم بتوحيد الله ونهاهم عن عبادة المخلوقين - أنكروا ذلك، وأعظموه، وزعموا أنه جهالة وضلالة، مع كون هذه المسألة أبين في دين محمد ﷺ من كون العصر أربعًا والمغرب ثلاثًا; بل اليهود والنصارى والمشركون يعلمون أن محمدًا ﷺ دعا الناس إلى ذلك، وجادل عليه ٣ وقاتل عليه. فهؤلاء الذين يزعمون أنهم علماء اشتد إنكارهم علينا لما تكلمنا بذلك، وزعموا أنه دين ومذهب خامس، وأنهم لم يسمعوه من مشائخهم ومن قبلهم.
_________
١ في طبعة الأسد ساقطة.
٢ سورة المؤمنون آية: ٥٣.
٣ في طبعة الأسد: (ودل عليه) . وفي طبعة أبا بطين: (دعا الناس إلى ذلك وما دل عليه) .
1 / 17