وكان الحسين قد علم في ذلك النهار أن أباه وأباها زارا المعز وأنه خطبها له من أبيها ورضي أبوها. ولكنه كان على يقين أنها لم تطلع على شيء من ذلك بعد. وتوسم في اجتماعها بوالدها في تلك الساعة خيرا لنفسه إذ يبلغها أبوها ما كان من طلب أمير المؤمنين لها باسم الحسين، فقال: «قلت لك إن شأني معك أن أكون في خدمتك حتى تبلغي مأمنك وتشاهدي والدك. ولعلك وأنت راجعة يتغير لحن خطابك معي.»
فأدركت كل ما جال في خاطره وفهمت ما يشير إليه لكنها تجاهلت وقالت: «إني لا أقدر أن أذكر ابن القائد جوهر بعد هذه المكارم إلا بالشكر والثناء في كل حال فهل تأذن بانصرافي الآن؟»
قال: «نعم ولكنني أكون في خدمتك لئلا يعترضك سواي فإن في هذه الطرق خفراء آخرين أقامهم والدي سرا لزيادة الحرص على سلامة أمير المؤمنين. ولا أحب أن يعرف أحد منهم ولا سواهم بخروجك ولا أريد أن يخاطبك أحد ولا أن يقول لك كلمة ولو كانت سلاما واحتراما ... إني أكثر حرصا عليك منك ...» قال ذلك بلحن الحب.
فظلت على تجاهلها وقالت: «بارك الله فيك فأنا واثقة بمروءتك وأحب أن تكتم ما رأيت عن كل أحد كأنك لم تشاهد أحدا.»
فاستأنس بهذه الوصية واستدل بها على ميل نحوه وقال: «قلت لك إني أحرص منك عليك ... وهذا يكفي.»
فلم تجبه ولكنها مشت ومشى هو في أثرها عن بعد حتى دنت من معسكر أبيها.
الفصل الرابع عشر
أبو حامد
وكان ذلك المعسكر خياما مضروبة أكبرها فسطاط الأمير فلما دنت من الفسطاط صاح بها رجل من الواقفين للحراسة: «من القادم؟»
فظلت على تنكرها وقالت: «رسول من أمير المؤمنين إلى الأمير حمدون.»
صفحة غير معروفة