فكان صاحبنا الخاناتي من هذا القبيل، فلما رأى لمياء وهو يعتقد أنها غلام صقلبي (وأكثر ما كان يأتي الصقالبة يومئذ من جهات المغرب) عرف أنها قادمة من بلاد المغرب فضلا عما دله على ذلك من ملابس رفقائها وكلامهم. فقالت له: «يظهر أنك قديم في هذا البلد يا عماه.»
قال: «أنا يا سيدي قديم جدا.»
قالت: «وقد مر بك ألوف من الزائرين من سائر الملل، أليس كذلك؟»
قال وهو يمشط لحيته بأنامله: «نعم يا سيدي إني أعرف من أحوال الناس أكثر من شعر هذه اللحية»، وضحك.
فارتاحت لمجونه مع شيخوخته وهمت بالسؤال عما يفيدها فقالت: «أتعرف رجلا اسمه يعقوب بن كلس؟»
فهز رأسه هز الإعجاب وقال: «كيف لا أعرفه وهو من كبار رجال الدولة وقد رأيته أمس مارا على بغلته. ويندر بين اليهود من يؤذن له بركوب البغال.»
فقالت: «وكيف أذن له بذلك؟»
قال: «لأن كافورا أميرنا فتن بذكائه ومهارته، فجعله من خاصته وعظمت منزلته عنده حتى أصبح لا يمضي أمرا إلا بتوقيعه.»
فاستغربت ذلك وقالت: «أين يقيم الآن؟»
قال: «يقيم في منزل فخم بجانب زقاق اليهود على مقربة من هذا المكان.»
صفحة غير معروفة