ثم قال لسعدى: «وما هو موعدنا من مخاطبة سيدي الملك بهذا الشأن.»
قالت: «نحن على موعد من مجيئه إلينا بعد أيام فإذا كان يوم مجيئه يتقدم حماد في طلب هند فينال مبتغاه.» وكانت هند في أثناء ذلك مطرقة حياء لا تتكلم وقلبها يرقص طربا. فقال سلمان: «ومن ينبئنا بذلك اليوم ونحن بعيدون عن هذا القصر.»
قالت: «نبعث معك من يعرف مقركم فإذا كان اليوم المعهود أرسلناه في طلبكم.»
قال: «حسنا» وهم بالخروج فوقفتا له فودعهما وخرج وهو لا يصدق انه سمع ما سمعه ولكنه لم يعلم بما سيقوم في سبيل سيده من العقبات ورافقه خادم انتدبوه لهذه المهمة على أن يكتمها.
ولا تسل عن فرح حماد بلقاء سلمان وما كان من سروره لما سمعه حتى تمثلت له السعادة عبدا رقا ونسي والده وضياعه لا عن عقوق ولكن الحب تغلب عليه فوعد نفسه بالبحث عن والده بعد أن يصير صهرا لملك غسان فيكون اقدر على ذلك لما يرجوه من مساعدة عمه.
فلنتركه في فرحه ولنرجع إلى جبلة وما كان من أمره بعد رجوعه إلى صرح الغدير فانه ما لبث أن توارى عن الصرح حتى انجلى له خطأه وما كان من تهوره في مجاراة امرأته بشأن حماد ولم يعلم كيف يجيب الحارث عن طلبه وقد عظم عليه أن يرده خائبا بعد أن وعده لما في ذلك من ضعف الرأي فقضى معظم الطريق في مثل هذه الهواجس فلاح له أخيرا أن يكتم حقيقة الأمر ويجعل جوابه تأجيل الخطبة إلى ما بعد انقضاء الحرب على نية أن يبعث حمادا في مهمة لا يعود منها وإذا عاد إنما يعود خائبا فلا يستطيع طلبا ولا ينال وطرا.
الفصل الرابع والثلاثون
ثعلبة
أما ثعلبة فدبر ما دبره وهو على ثقة من رضاء هند به ولو قسرا ثم علم بضياع عبد الله وترجح لديه مقتل حماد مما نقله إليه جواسيسه الذين أنفذهم في اثر عبد الله عند خروجه من بيت المقدس وذلك ما كان يتمناه فهمدت غيرته على هند لأنه إنما طلب الاقتران بها ليمنعها من حماد فلما علم بمقتله ود الرجوع عن طلبه لتبقى منغصة العيش فتخسر الاثنين معا فاخذ يترقب فرصه يؤجل بها الاقتران ثم يسعى في سبيل ينتقم به من هند وكانت تحدثه نفسه أنها إذا قبلت هي به أجابها بالتأجيل والوعود حتى تموت كمدا إلا إذا علم بعد ذلك أن حمادا لم يقتل فيعود إلى طلبها.
ولم يكن والده يعلم بحقيقة مراده فكان يستعجل جبلة في أمر الاقتران ظنا منه أن ذلك يسر ابنه ويجعل عيشه سعيدا فلما سمع بمجيء الحجازيين إلى عمان سار بنفسه إلى جبلة وألح عليه بأمر الاقتران قبل انتشاب الحرب كما تقدم ثم تواردت عليهم الأخبار بإقلاع أولئك العرب من عمان وشخوصهم إلى البلقاء وبلغ ذلك ثعلبة فجاء إلى والده وتداولا في إعداد المعدات وتحصين الحصون في حدود البلقاء فجرهم الحديث إلى هند والاقتران بها فاخبره والده انه استعجل جبلة في استجواب هند بشأن الاقتران وإنه لا يشك بقبولها وأوعز إليه أن يستعد للاقتران على ابسط الطرق بلا احتفال إلى ما بعد انتصارهم فيكون الفرح مزدوجا.
صفحة غير معروفة