الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة
الناشر
مركز الدعوة والإرشاد بالقصب
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٣١ هـ - ٢٠١٠ م
تصانيف
أن يصوم؛ لحديث جابر ﵁، قال: كان النبي ﷺ في سفر فرأى رجلًا قد اجتمع الناس عليه وقد ظُلِّل عليه، وفي رواية: فرأى زحامًا ورجلًا قد طُلِّل عليه، فقال: «ما هذا؟» فقالوا: صائم، فقال: «ليس من البر الصوم في السفر» (١)، ولفظ النسائي: «إنه ليس من البر الصوم في السفر، وعليكم برخصة الله التي رخّص لكم فاقبلوها» (٢).
الحال الثالثة: أن لا يشقّ عليه الصيام مطلقًا: لا مشقة شديدة ولا مشقة يسيره، بل والصوم سهل يسير عليه، والفطر سهل يسير عليه، وقد تساوى الأمران ولافرق بينهما، ففي هذه الحال يجوز له أن يصوم، ويجوز له أن يفطر؛ لحديث حمزة بن عمرو الأسلمي ﵁: أنه سأل النبي ﷺ عن الصيام في السفر، فقال له ﷺ: «إن شئت فصم وإن شئت فأفطر» وفي لفظ لمسلم: أنه قال: يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر، فهل عليَّ جُناحٌ؟ فقال رسول الله ﷺ: «هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جُناح عليه» (٣).
ولكن اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في هذه الحال: أيهما أفضل وأعظم للأجر: الصيام أو الفطر؟ على قولين (٤) فقيل: الصيام أفضل،
(١) متفق عليه: البخاري، برقم ١٩٤٦، ومسلم، برقم ١١١٥، وتقدم تخريجه.
(٢) النسائي، برقم ٢٢٥٧، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، ٢/ ١٣١، وتقدم تخريجه.
(٣) متفق عليه: البخاري، برقم ١٩٢٣،ورقم ١٩٤٢،ومسلم، برقم ١٠٧ - (١١٢١).
(٤) اختلف العلماء ﵏ في الأفضل في صيام المسافر إذا لم يشقّ عليه الصيام، على قولين:
القول الأول: مذهب الإمام أحمد وأصحابه الحنابلة: أن الفطر أفضل في السفر لمن لم يشق عليه الصيام، قال الإمام ابن قدامة في المغني، ٤/ ٤٠٧: «والأفضل عند إمامنا ﵀ الفطر في السفر، وهو مذهب عمر، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، والشعبي، والأوزاعي، وإسحاق، وحجتهم قوله ﷺ: «ليس من البر الصوم في السفر». [البخاري، برقم ١٩٤٦، ومسلم، برقم ١١١٥]. وقوله ﷺ في الذين صاموا في السفر وقد شق عليهم الصيام: «أولئك العصاة»، [مسلم، برقم ١١١٤]. وأصرح ما استدل به الحنابلة قوله ﷺ: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه»، [ابن حبان، برقم ٣٥٤، ورقم ٣٥٦٨]. وفي اللفظ الآخر: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته/ ح»، [أحمد، برقم ٥٨٦٦، ورقم ٥٨٧٣]. قال شيخنا ابن باز ﵀: «الأفضل للصائم الفطر في السفر مطلقًا، ومن صام فلا حرج عليه»، وقال ﵀: «المسافر مُخيَّرٌ بين الصوم والفطر، وظاهر الأدلة، الشرعية أن الفطر أفضل، ولا سيما إذا شق عليه ...»، وقال: «... لكن إذا علم المسلم بأن فطره في السفر سيثقل عليه القضاء فيما بعد ويُكلِّفه في المستقبل ويخشى أن يشق عليه فصام ملاحظةً لهذا المعنى فذلك خير ...». [مجموع فتاوى ابن باز، ١٥/ ٢٣٤ - ٢٤٤].
وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: «لقد دلت الأحاديث الكثيرة الصحيحة من أقواله وأفعاله ﷺ على أن الفطر للمسافر أفصل من الصوم، وجدت المشقة أو لم توجد، وأن الصيام في حقه جائز». [مجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ١٠/ ٢٠٩،٢٠٠، و١٠/ ٢١١].
القول الثاني: قول جمهور أهل العلم: الإمام أبو حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعي، قالوا: الصوم أفضل لمن قوي عليه، ويروى ذلك عن أنس، وعثمان بن أبي العاص، واحتجوا بحديث أبي الدرداء، قال خرجنا مع رسول الله ﷺ في بعض أسفاره في يوم حار حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا ما كان من النبي ﷺ وابن رواحة». [البخاري، برقم ١٩٤٥، ومسلم، برقم ١١٢٢]. وغير ذلك من الأحاديث، وقالوا: ولأن من خيّر بين الصوم والفطر كان الصوم له أفضل كالتطوع، قال ابن قدامة: «ولنا ما تقدم من الأخبار؛ ولأن في الفطر خروجًا من الخلاف فكان أفضل، كالقصر، وقياسهم ينتقض بالمريض وبصوم الأيام المكروه صومها». [المغني، ٤/ ٤٠٨].
1 / 150