فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية (المسائل التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية)
الناشر
وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢١هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
العقائد والملل
آلِ فِرْعونَ وَقَومِهِ إِلَيْهِ، وَتَحْريشِهمْ إيَّاهُ عَلَى مُقاتَلَةِ موسى ﵇ وَتَهْييجِه، وَمَا ذُكِرَ في آخِرِ الآية مِن احْتِقارِ ما كانوا عَلَيْهِ.
[تناقضُ مَذهَبهِمْ لَمَّا تَرَكوا الحق]
تناقضُ مَذهَبهِمْ لَمَّا تَرَكوا الحق (الحادية والستون): تناقضُ مَذهَبهِمْ لَمَّا تَرَكوا الحق. قال تعالى في سورةِ [ق: ٤-٥]: ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ - بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ﴾ [ق: ٤ - ٥] فَقولُهُ: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ﴾ [ق: ٥] إلخ، إضراب أُتْبعَ الإِضرابَ الأوَّل للدِّلالة عَلى أنَّهم جاءوا بِما هو أفْظَع من تَعَجُّبِهِمْ، وهو التكذيبُ بالحَقِّ، الذي هو النُّبُوَّةُ الثاَّبتة بالمُعْجِزاتِ، في أوَّل وَهْلَةٍ، مِن غير تَفَكُّرٍ ولا تَدَبُّرٍ، ﴿فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ﴾ [ق: ٥] مُضْطَرِب، وَذَلِكَ بسببِ نَفْيِهِمُ النُّبُوَّةَ عنِ البَشَرِ بالكُليَّة تارةً، وَزَعمِهِمْ أنَّ اللاَّئقَ بِها أهلُ الجاه والمالِ كما ينبئ عَنْهُ قَولُهُم: ﴿لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١] تارةً أُخرى، وَزَعْمهِمْ أنَّ النُّبُوَّةَ سِحْرٌ مرَّةً أُخرى، وأنَّها كهانَةٌ أخرى، حيثُ قالوا في النبيِّ ﷺ مَرَّةً: ساحر، ومَرَّةً: كاهِنٌ، أوْ هو اخْتِلافُ حالِهم ما بَيْنَ تَعَجُّبٍ مِنَ البَعْثِ واستبعاد لَهُ، وتكذيبٍ وَتَرَدُّدٍ فيه، أو قولُهم في القرآن: هو شِعْر تارةً، وَهُو سِحْرٌ أخرى. وقال تَعالى في سورةِ [الذَّارياتِ: ٧-١١]: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ - إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ - يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ - قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ - الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ﴾ [الذاريات: ٧ - ١١] الْحُبُكِ: جمع حَبيكَة، كَطَريقَةٍ، أوْ حِباك، كَمِثال وَمثل، والمرادُ بها إمَّا الطُرُقُ المحسوسةُ التي تَسيرُ فيها الكَواكبُ، أو المعقولةُ التي تُدْرَكُ بالبَصيرةِ، وهي ما يدلُّ على وَحْدَةِ الصَّانعِ وقُدْرتهِ وعِلْمِهِ وحِكمتِه إذا تأمَّلَها النَّاظرُ. وقوله: ﴿إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ﴾ [الذاريات: ٨] أي: مُتَخالِفٍ، مُتَناقِضٍ في أمرِ الله ﷿، حيث تقولون: إِنَّه جلَّ شأنُهُ خَلَقَ السَّماواتِ والأرضَ، وَتَقولونَ بصحَّةِ عبادةِ الأصنامِ مَعَهُ سُبحانَه، وفي أمْرِ الرَّسول ﷺ فَتَقولونَ تارةً: إنَّه مَجْنونٌ، وأُخْرى: إنه ساحر، ولا يَكونُ الساحِرُ إلا عاقلا، وفي أمْرِ الحَشْرِ، فَتَقولونَ تارةً: لا حشر ولا حياة بَعْد المَوتِ أصلا، وتَزْعمونَ أُخرى أنَّ أصنامَكم
1 / 272