بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صلى على سيدنا محمد وآله
فصل في معرفة النفس بغيرها وجهلها بذاتها
قال أبو محمد علي بن أحمد بن حزم رضي الله عنه :
أطلت الفكر في نفسي ، بعد تيقني أنها المدبرة للجسد ، الحساسة الحية العاقلة المميزة العالمة ، وأن الجسد موات لا حياة له ، وجماد لا حركة فيه إلا أن تحركه النفس ، وبعد إيقاني أنها صاحبة هذه الفكرة ، والمحركة للساني بما تريد إخراجه مما استقر عندها فقالت مخاطبة لنفسها ، باحثة عن حقيقة أمرها :
يا أيتها النفس المدبرة لهذا الجسد : الست التي قد عرفت صفات جسدك الذي واليت تدبيره ، وحققتها وضبطتها
قالت : بلى .
قالت : يا أيتها النفس المدبرة لهذا الجسد : الست التي تجاوزت جسدك المضاف تدبيره إليك ، فخلص فهمك وبحثك ( 1 ) إلى سائر ما يليك من الأرض والماء والهواء وسائر الأجرام ، ثم إلى ما لم يلك من الأجرام ، فميزت أجناس كل ذلك وأنواعه وأشخاصه ، وحققت صفات كل ذلك : الذاتية والغيرية ، وفرقت بين كل ذلك بالفروق الصحيحة ، ثم تخطيت كل ذلك إلى الأفلاك البعيدة وما فيها من الأجرام النيرة فعرفت كيفية أدوارها ، ووقفت على حقيقة مدارها ،
صفحة ٤٤٣