الوجه الثاني: أن القرآن اشتمل على أصول الدين وقواعد الشرع ونبه على المقاصد والعلل وبين المهمات والجمل، ومن شرط المجتهد معرفته بأنواع اجتهاد الرأي وكيفية الاقتباس منه واستنباط العلل والأسباب، وذلك لا يمكن إلا بعد فهم مقاصد الدين وعلل الشرع الكلية، وذلك لا يتم بدون حفظ القرآن.
فإن قلت: فقد كان جماعة من الصحابة يفتون ولا يحفظون القرآن جميعا؛ مثل أبي بكر وعمر وغيرهما في أول الأمر.
قلت: قد كانوا يشاهدون الرسول فإذا أشكل عليهم أمر سألوه، وحضروا التنزيل، وفهموا كيفية الاجتهاد، وأحكموا القواعد والأصول بكثرة مجالستهم للرسول، واطلعوا على الحكم والعلل والمقاصد من نفس القرآن لا من غيره، وذلك لطول التجربة الصحيحة. بخلاف العلماء اليوم فإنهم لا معرفة لهم بذلك، فإن لم يحفظوا القرآن والسنة ضلوا وأضلوا، ومن لم يتلبس بما ذكرناه من تلك الخصال لم يحصل على طائل من العلم، فإن ما ذكرناه هو العلم النافع والعمل الصالح.
والله سبحانه أعلم.
صفحة ١٩