لا يقدر منها أهلها على شيء حتى تفارقهم ويفارقوها، أنزل بذلك كتابه، وأنزل بذلك رسله، وقدم فيه بالوعيد، وضرب فيه الأمثال، ووصل به القول، وشرع فيه دينه، وأحل الحلال وحرم الحرام وقص فأحسن القصص، وجعل دينه في الأولين والآخرين فجعله دينًا واحدًا فلم يفرق بين كتبه، ولم تختلف رسله، ولم يشق أحد بشيء من أمر سعد به أحد، ولم يسعد أحد من أمره بشىء شقى به أحد، وإنك اليوم يا عمر لم تعد أن تكون إنسانًا من بني آدم، يكفيك من الطعام والشراب والكسوة ما يكفي رجلًا منهم، فاجعل فضل ذلك فيما بينك وبين الرب الذي توجه إليه شكر النعم، فإنك قد وليت أمرًا عظيمًا ليس يليه عليك أحد دون الله، قد أفضى فيما بينك وبين الخلائق، فإن استطعت أن تغنم نفسك وأهلك فافعل، ولا قوة إلا بالله، فإنه قد كان قبلك رجال عملوا بما عملوا، وأماتوا ما أماتوا من الحق، وأحيوا ما أحيوا من الباطل، حتى ولد فيه رجال ونشأوا فيه وظنوا أنها السنة، ولم يسددوا على العباد باب رخاء إلا فتح عليهم باب بلاء، فإن استطعت أن تفتح عليهم أبواب الرخاء فإنك لا تفتح عليهم منها بابًا إلا سد به عنك باب بلاء، ولا يمنعك من نزع عامل أن تقول لا أجد من يكفيني عمله، فإنك إذا كنت تنزع لله وتعمل لله أتاح الله لك رجالًا وكالا بأعوان الله، وإنما العون من الله على قدر النية، فإذا تمت نية العبد تم عون الله له، ومن قصرت نيته قصر من الله العون له بقدر ذلك، فإن استطعت أن تأتي الله يوم القيامة ولا يتبعك أحد بظلم ويجىء من كان قبلك وهم غابطون لك بقلة إتباعك وأنت غير غابط لهم بكثرة أتباعهم فافعل، ولا قوة إلا بالله، فإنهم قد عاينوا وعالجوا نزع الموت الذي كانوا منه يفرون، وانشقت بطونهم التي كانوا فيها لا يشبعون، وانفقأت أعينهم التي كانت لا تنقضي لذاتها، واندقت رقابهم في التراب غير موسدين بعد ما تعلم من تظاهر الفرش والمرافق، فصاروا جيفًا تحت بطون الأرض تحت آكامها، لو كانوا إلى جنب مسكين تأذى بريحهم، بعد إنفاق ما لا يحصى عليهم من الطيب، كان إسرافًا وبدارًا عن الحق، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
1 / 63