[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن ليث بن أبي رقية - كاتب عمر بن عبد العزيز في خلافته - أن عمر كتب إلى ابنه في العام الذي استخلف فيه - وابنه إذ ذاك بالمدينة يقال له عبد الملك - أما بعد: فإن أحق من تعاهدت بالوصية والنصيحة بعد نفسى أنت، وإن أحق من رعى ذلك وحفظه عني أنت، وإن الله تعالى له الحمد قد أحسن إلينا إحسانًا كثيرًا بالغًا في لطيف أمرنا وعامته، وعلى الله إتمام ما عبر من النعمة وإياه نسأل العون على شكرها، فاذكر فضل الله على أبيك وعليك، ثم أعن أباك على ما قوى عليه وعلى ما ظننت أن عنده منه عجزًا عن العمل فيما أنعم به عليه وعليك في ذلك، فراع نفسك وشبابك وصحتك، وإن استطعت أن أكثر تحريك لسانك بذكر الله حمدًا وتسبيحًا وتهليلًا فافعل، فإن أحسن ما وصلت به حديثًا حسنًا حمد الله وذكره، وإن أحسن ما قطعت به حديثًا سيئًا حمد الله وذكره، ولا تفتتن فيما أنعم الله به عليك فيما عسيت أن تفرط به أباك فيما ليس فيه، إن اباك كان بين ظهرانى إخوته عند أبيه يفضل عليه الكبير، ويدني دونه الصغير، وإن كان الله وله الحمد قد رزقني من والدي حسبًا جميلًا، كنت به راضيًا أرى أفضل الذي يبره ولده على حقًا، حتى ولدت وولد طائفة من إخوتك، ولا أخرج بكم من المنزل الذي أنا فيه، فمن كان راغبًا في الجنة وهاربًا من النار فالآن في هذه الحالة والتوب مقبول، والذنب مغفور، قبل نفاذ الأجل، وانقضاء العمل، وفراغ من الله للثقلين ليدينهم بأعمالهم في موطن لا تقبل فيه الفدية، ولا تنفع فيه المعذرة، تبرز فيه الخفيات، وتبطل فيه الشفاعات، يرده الناس بأعمالهم، ويصدرون فيه أشتاتًا إلى منازلهم، فطوبى يومئذ لمن أطاع الله، وويل يومئذ لمن عصى الله، فإن ابتلاك الله بغنى فاقتصد في غناك، وضع الله نفسك، وأد إلى الله فرائض حقه في مالك وقل عند ذلك ما قال العبد الصالح: قال تعالى: (هَذَا مِن فَضْلِ رَبّي لِيَبْلُوَنِيَ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) [النمل: ٤٠].
1 / 59